البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡهِ ءَايَةٞ مِّن رَّبِّهِۦٓۗ إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٞۖ وَلِكُلِّ قَوۡمٍ هَادٍ} (7)

عن ابن عباس : " لما نزلت وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على صدره فقال : «أنا منذر » وأومأ بيده إلى منكب عليّ وقال : «أنت الهادي يا عليّ ، بك يهتدى من بعدي » " ، وقال القشيري : نزلت في النبي صلى الله عليه وسلم وعليّ بن أبي طالب ، والذين كفروا مشركو العرب ، أو من أنكر نبوته من مشركيهم والكفار ، ولم يعتدوا بالآيات الخارقة المنزلة كانشقاق القمر ، وانقياد الشجر ، وانقلاب العصا سيفاً ، ونبع الماء من بين الأصابع ، وأمثال هذه .

فاقترحوا عناداً آيات كالمذكورة في سبحان ، وفي الفرقان كالتفجير للينبوع ، والرقي في السماء ، والملك ، والكنز ، فقال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : إنما أنت منذر تخوفهم من سوء العاقبة ، وناصح كغيرك من الرسل ، ليس لك الإتيان بما اقترحوا .

إذ قد أتى بآيات عدد الحصا ، والآيات كلها متماثلة في صحة الدعوى ، لا تفاوت فيها .

فالاقتراح إنما هو عناد ، ولم يجر الله العادة بإظهار الآيات المقترحة إلا للآية التي حتم بعذابها واستئصالها .

وهاد : يحتمل أن يكون قد عطف على منذر ، وفصل بينهما بقوله لكل قوم ، وبه قال : عكرمة ، وأبو الضحى .

فإن أخذت : ولكل قوم هاد ، على العموم فمعناه : وداع إلى الهدى ، كما قال : { بعثت إلى الأسود والأحمر } فإن أخذت هاد على حقيقته فلكل قوم مخصوص أي : ولكل قوم قائلين هاد .

وقيل : ولكل أمة سلفت هاد أي : نبي يدعوهم ، والقصد : فليس أمرك ببدع ولا منكر ، وبه قال : مجاهد ، وابن زيد ، والزجاج قال : نبي يدعوهم بما يعطي من الآيات ، لا بما يتحكمون فيه من الاقتراحات .

وتبعهم الزمخشري .

فقال : هاد من الأنبياء يهديهم إلى الدين ، ويدعوهم إلى الله بوجه من الهداية ، وبآية خص بها ، ولم يجعل الأشياء شرعاً واحداً في آيات مخصوصة .

وقالت فرقة : الهادي في هذه الآية هو الله تعالى ، روي أن ذلك عن ابن عباس ، ومجاهد ، وابن جبير ، وهاد : على هذا مخترع للإرشاد .

قال ابن عطية : وألفاظ تتعلق بهذا المعنى ، وتعرف أن الله تعالى هو الهادي من غير هذا الموضع .

وقال الزمخشري : في هذا القول وجه آخر : وهو أن يكون المعنى : إنهم يجحدون كون ما أنزل عليك آيات ويعاندون ، فلا يهمنك ذلك ، إنما أنت منذر ، فما عليك إلا أن تنذر ، لا أنْ تثبت الإيمان بالإلجاء ، والذي يثبته بالإلجاء هو الله تعالى انتهى .

ودلّ كلامه على الاعتزال .

وقال في معنى القول الذي تبع فيه مجاهد ، وابن زيد ما نصه : ولقد دل بما أردفه من ذكر آيات علمه وتقديره الأشياء على قضايا حكمته ، أن أعطاء كل منذر آيات أمر مدبر بالعلم النافذ ، مقدر بالحكمة الربانية .

ولو علم في إجابتهم إلى مقترحهم خيراً أو مصلحة لأجابهم إليه .

وقال الزمخشري أيضاً في معنى أن الهادي هو الله تعالى أي : بالإلجاء على زعمه ما نصه : وأما هذا الوجه الثاني فقد دل به على أنّ من هذه القدرة قدرته وهذا علمه ، هو القادر وحده على هدايتهم العالم بأي طريق يهديهم ، ولا سبيل إلى ذلك لغيره انتهى .

وقالت فرقة : الهادي علي بن أبي طالب ، وإن صح ما روي عن ابن عباس مما ذكرناه في صدر هذه الآية ، فإنما جعل الرسول صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب مثالاً من علماء الأمّة وهداتها إلى الدين ، فكأنه قال : أنت يا علي هذا وصفك ، ليدخل في ذلك أبو بكر وعمر وعثمان وسائر علماء الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، ثم كذلك علماء كل عصر ، فيكون المعنى على هذا : إنما أنت يا محمد منذر ، ولكل قوم في القديم والحديث دعاة هداة إلى الخير .

وقال أبو العالية : الهادي العمل .

وقال علي بن عيسى : ولكل قوم سابق سبقهم إلى الهدى إلى نبي أولئك القوم .

وقيل : هاد قائد إلى الخير أو إلى الشر قال تعالى في الخير : { وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد } وقال في الشر : { فاهدوهم إلى صراط الحجيم } قاله أبو صالح .

ووقف ابن كثير على هاد وواق حيث واقعا ، وعلى وال هنا وباق في النخل بإثبات الياء ، وباقي السبعة بحذفها .

وفي الإقناع لأبي جعفر بن الباذش عن ابن مجاهد : الوقف على جميع الباب لابن كثير بالياء ، وهذا لا يعرفه المكيون .

وفيه عن أبي يعقوب الأزرق عن ورش أنه خيره في الوقف في جميع الباب ، بين أن يقف بالياء ، وبين أن يقف بحذفها .

والباب هو كل منقوص منون غير منصرف .