التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡهِ ءَايَةٞ مِّن رَّبِّهِۦٓۗ إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٞۖ وَلِكُلِّ قَوۡمٍ هَادٍ} (7)

{ وإن تعجب فعجب قولهم أئذا كنا ترابا أئنا لفي خلق جديد أولئك الذين كفروا بربهم وأولئك الأغلال في أعناقهم وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ( 5 ) ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة وقد خلت من قبلهم المثلات 1 وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم وإن ربك لشديد العقاب ( 6 ) ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ( 7 ) } [ 5-7 ] .

وفي هذه الآيات تنديد بالكفار الذين يأخذ المرء أشد العجب من مواقفهم وأقوالهم بالرغم عما في كون الله العظيم من آيات باهرة مقنعة على النحو التالي :

أولا : يتساءلون تساؤل المنكر عما إذا كانوا حقيقة سيخلقون من جديد بعد أن يصبحوا ترابا ، مما لا يصدر من الكفار بالله ولقائه . وسيجزون على ذلك بالأغلال في أعناقهم وبالنار التي يخلدون فيها .

ثانيا : لا يفتأون يستعجلون السيئ دون الحسن مما يوعدون وهو عذاب الله استعجال المستخف مع ما يعرفون من عقوبات الله السابقة في أمثالهم . ولقد جرى الله على التسامح مع الناس فيما يصدر منهم من ظلم وبغي . ولكنه إذا عاقب فإن عقابه يكون شديدا قاصما .

ثالثا : وهم لا يزالون يتحدون النبي صلى الله عليه وسلم بآية تنزل عليه من ربه ومعجزة تقع على يده حتى يؤمنوا ويستجيبوا مع أن الله صلى الله عليه وسلم ليس إلا داعيا إلى الله منذرا بعذابه مبشرا بثوابه . وليس في دعوته شذوذ يحتاج إلى البرهنة عليه بالآيات ، كما أنه ليس في رسالته بدعا فقد جرت سنة الله على إرسال الرسل الهداة المنذرين إلى أقوامهم من قبل .

وفي الآيات صور مما كان يقع من الكفار من مشاقة وعناد وتحد كما هو واضح . وأسلوبها مطلق الحكاية والتنديد . وقد تكررت حكاية أمثالها مرات عديدة ؛ لأنها كانت تتكرر وقوعا . وفيها ردود تنديدية وإنذارية كأمثالها السابقة .

وقد احتوت الفقرة الأخيرة من الآية الأخيرة بالإضافة إلى الرد تطمينا وتسرية عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضا مما تكرر ذلك في المواقف المماثلة .

ولا يروي المفسرين رواية خاصة في نزول الآيات . ويجوز أن تكون من باب حكاية حال الكفار كما يجوز أن تكون حكاية لمشهد من مشاهد المواقف الجدلية الوجاهية التي كانت تقع بين النبي صلى الله عليه وسلم والكفار . ولعل في الآيات التالية بعض القرائن على ذلك .

وقد أوّلنا تعبير { ولكل قوم هاد } بما أولناه به آنفا ؛ لأن هذا هو المتسق مع روح الآيات القرآنية بوجه عام . وهو ما عليه الجمهور أيضا .

ولقد أورد الطبرسي وهو من مفسري الشيعة في سياق الآية الأخيرة حديثا عن ابن عباس جاء فيه : ( أنه لما نزلت الآية قال رسول الله : أنا المنذر وعليّ الهادي من بعدي ، يا علي بك يهتدي المهتدون ) وحديثا آخر قال : إنه رواه الحاكم أبو القاسم الحسكاني في كتاب ( شواهد التنزيل ) عن أبي بردة الأسلمي جاء فيه : ( إن رسول الله دعا بالطهور وعنده علي بن أبي طالب فأخذ بيد علي بعدما تطهر فألزمها بصدره ثم قال : إنما أنت منذر ثم ردها إلى صدر علي ثم قال : ولكل قوم هاد ثم قال إنك منارة الأنام وغاية الهدى وأمير القرى وأشهد على ذلك إنك كذلك ) . والتكلف والهوى الحزبي بارزان على هذه الأحاديث شأنها شأن أحاديث وروايات كثيرة سبق إيرادها والتعليق عليها ، ولقد أورد ابن كثير هذه الأحاديث وقال : إن فيها نكارة شديدة .