معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَقُل رَّبِّ أَدۡخِلۡنِي مُدۡخَلَ صِدۡقٖ وَأَخۡرِجۡنِي مُخۡرَجَ صِدۡقٖ وَٱجۡعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلۡطَٰنٗا نَّصِيرٗا} (80)

قوله عز وجل : { وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق } ، والمراد من المدخل والمخرج : الإدخال والإخراج ، واختلف أهل التفسير فيه : فقال ابن عباس والحسن وقتادة : أدخلني مدخل صدق : المدينة . وأخرجني مخرج صدق : مكة ، نزلت حين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالهجرة . وقال الضحاك : " وأخرجني مخرج صدق " : من مكة آمناً من المشركين ، و أدخلني مدخل صدق : مكة ظاهراً عليها بالفتح . وقال مجاهد : أدخلني في أمرك الذي أرسلتني به من النبوة مدخل صدق ، وأخرجني من الدنيا ، وقد قمت بما وجب علي من حقها ، مخرج صدق . وعن الحسن أنه قال : أدخلني مدخل صدق : الجنة ، وأخرجني مخرج صدق " : من مكة . وقيل : أدخلني في طاعتك ، وأخرجني من المناهي ، وقيل : معناه أدخلني حيث ما أدخلتني بالصدق ، وأخرجني بالصدق ، أي : لا تجعلني ممن يدخل بوجه ويخرج بوجه ، فإن ذا الوجهين لا يكون آمناً ووجيهاً عند الله . ووصف الإدخال والإخراج بالصدق لما يؤول إليه الخروج والدخول من النصر والعز ودولة الدين ، كما وصف القدم بالصدق فقال : { أن لهم قدم صدق عند ربهم } [ يونس – 2 } . { واجعل لي من لدنك سلطانا ً نصيراً } ، قال مجاهد : حجة بينة . وقال الحسن ملكاً قوياً تنصرني به على من ناوأني وعزاً ظاهراً أقيم به دينك . فوعده الله لينزعن ملك فارس والروم وغيرهما فيجعله له . قال قتادة : علم نبي الله صلى الله عليه وسلم أن لا طاقة له بهذا الأمر إلا بسلطان نصير ، فسأل سلطاناً نصيراً : كتاب الله ، وحدوده ، وإقامة دينه .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَقُل رَّبِّ أَدۡخِلۡنِي مُدۡخَلَ صِدۡقٖ وَأَخۡرِجۡنِي مُخۡرَجَ صِدۡقٖ وَٱجۡعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلۡطَٰنٗا نَّصِيرٗا} (80)

قال الإمام أحمد : حدثنا جرير ، عن قابوس بن{[17798]} أبي ظَبْيَان ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم بمكة ثم أمر بالهجرة ، فأنزل الله : { وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا }{[17799]} .

وقال الحسن البصري في تفسير هذه الآية : إن كفار أهل مكة لما ائتمروا برسول الله صلى الله عليه وسلم ليقتلوه أو يطردوه أو يوثقوه ، وأراد الله قتال أهل مكة ، فأمره أن يخرج إلى{[17800]} المدينة ، فهو الذي قال الله عز وجل : : { وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ }

وقال قتادة : { وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ } يعني : المدينة { وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ } يعني : مكة .

وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم . وهذا القول هو أشهر الأقوال .

وقال : العوفي عن ابن عباس : { أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ } يعني : الموت { وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ } يعني : الحياة بعد الموت . وقيل غير ذلك من الأقوال . والأول أصح ، وهو اختيار ابن جرير .

وقوله : { وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا } قال الحسن البصري في تفسيرها : وعده ربه لينزعن ملك فارس ، وعز{[17801]} فارس ، وليجعلنه له ، وملك الروم ، وعز الروم ، وليجعلنه له .

وقال قتادة فيها إن نبي الله صلى الله عليه وسلم ، علم ألا طاقة له بهذا الأمر إلا بسلطان ، فسأل سلطانًا نصيرًا لكتاب الله ، ولحدود الله ، ولفرائض الله ، ولإقامة دين الله ؛ فإن السلطان رحمة من الله جعله بين أظهر عباده ، ولولا ذلك لأغار بعضهم على بعض ، فأكل شديدهم ضعيفهم .

قال مجاهد : { سُلْطَانًا نَصِيرًا } حجة بينة .

واختار ابن جرير قول الحسن وقتادة ، وهو الأرجح ؛ لأنه لا بد مع الحق من قهر لمن عاداه وناوأه ؛ ولهذا قال [ سبحانه و ]{[17802]} تعالى : { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ } [ الحديد : 25 ] وفي الحديث : " إن الله لَيَزَع بالسلطان ما لا يَزَعُ بالقرآن " أي : ليمنع بالسلطان عن ارتكاب الفواحش والآثام ، ما لا يمتنع كثيرٌ من الناس بالقرآن ، وما فيه من الوعيد الأكيد ، والتهديد الشديد ، وهذا هو الواقع .


[17798]:في ف: "عن".
[17799]:المسند (1/223).
[17800]:في ت: "على".
[17801]:في ت: "وغير".
[17802]:زيادة من ف، أ.
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَقُل رَّبِّ أَدۡخِلۡنِي مُدۡخَلَ صِدۡقٖ وَأَخۡرِجۡنِي مُخۡرَجَ صِدۡقٖ وَٱجۡعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلۡطَٰنٗا نَّصِيرٗا} (80)

ظاهر هذه الآية والأحسن فيها أن يكون دعاء في أن يحسن الله حالته في كل ما يتناول من الأمور ويحاول من الأسفار والأعمال وينتظر من تصرف المقادير في الموت والحياة ، فهي على أتم عموم ، معناه { ربِّ } أصلح لي وردي في كل الأمور وصدري{[7678]} ، وذهب المفسرون إلى أنها في غرض مخصوص ، ثم اختلفوا في تعيينه ، فقال ابن عباس والحسن وقتادة : أراد { أدخلني } المدينة { وأخرجني } من مكة ، وتقدم في هذا التأويل المتأخر في الوقوع ، فإنه متقدم في القول لأن الإخراج من مكة هو المتقدم ، اللهم إن مكان الدخول والقرار هو الأهم ، وقال أبو صالح ومجاهد : { أدخلني } في أمر تبليغ الشرع { وأخرجني } منه بالأداء التام ، وقال ابن عباس : الإدخال بالموت في القبر والإخراج البعث ، وما قدمت من العموم التام الذي يتناول هذا كله ، أصوب ، وقرأ الجمهور «مُدخل » «ومُخرج » بضم الميم ، فهو جرى على { أدخلني وأخرجني } وقرأ أبو حيوة وقتادة وحميد ، «مَدخل » «ومَخرج » بفتح الميم ، فليس بجار على { أدخلني } ولكن التقدير «أدخلني فأدخل مدخل » ، لأنه إنما يجري على دخل ، و «الصدق » هنا صفة تقتضي رفع المذام واستيعاب المدح ، كما تقول رجل صدق أي جامع للمحاسن ، وقوله { واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيراً } قال مجاهد وغيره : حجة ، يريد تنصرني ببيانها على الكفار ، وقال الحسن وقتادة يريد سعة ورياسة وسيفاً ينصر دين الله ، فطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك بأمر الله إياه به رغبة في نصر

الدين ، فروي أن الله وعده بذلك ثم أنجزه له في حياته وتممه بعد وفاته .


[7678]:أي: في بداية الأمور ونهايتها، أو في إقبالي عليها وانصرافي عنها، والمراد: في جميع الأمور من أولها إلى آخرها.