الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{وَقُل رَّبِّ أَدۡخِلۡنِي مُدۡخَلَ صِدۡقٖ وَأَخۡرِجۡنِي مُخۡرَجَ صِدۡقٖ وَٱجۡعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلۡطَٰنٗا نَّصِيرٗا} (80)

قيل : المعنى أمتني إماتة صدق ، وابعثني يوم القيامة مبعث صدق ؛ ليتصل بقوله : " عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا " . كأنه لما وعده ذلك أمره أن يدعو لينجز له الوعد . وقيل : أدخلني في المأمور وأخرجني من المنهي . وقيل : علمه ما يدعو به في صلاته وغيرها من إخراجه من بين المشركين وإدخاله موضع الأمن ، فأخرجه من مكة وصيره إلى المدينة . وهذا المعنى رواه الترمذي عن ابن عباس قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم بمكة ، ثم أمر بالهجرة فنزلت " وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا " قال : هذا حديث حسن صحيح . وقال الضحاك : هو خروجه من مكة ودخوله مكة يوم الفتح آمنا . أبو سهل : حين رجع من تبوك وقد قال المنافقون : " ليخرجن الأعز منها الأذل{[10351]} " [ المنافقون : 8 ] يعني إدخال عز وإخراج نصر إلى مكة . وقيل : المعنى أدخلني في الأمر الذي أكرمتني به من النبوة مدخل صدق وأخرجني منه مخرج صدق إذا أمتني ، قال معناه مجاهد . والمدخل والمخرج ( بضم الميم ) بمعنى الإدخال والإخراج ، كقوله : " أنزلني منزلا مباركا{[10352]} " [ المؤمنون : 29 ] أي إنزالا لا أرى فيه ما أكره . وهي قراءة العامة . وقرأ الحسن وأبو العالية ونصر بن عاصم " مدخل " و " مخرج " . بفتح الميمين بمعنى الدخول والخروج ، فالأول رباعي وهذا ثلاثي . وقال ابن عباس : أدخلني القبر مدخل صدق عند الموت وأخرجني مخرج صدق عند البعث . وقيل : أدخلني حيثما أدخلتني بالصدق وأخرجني بالصدق ، أي لا تجعلني ممن يدخل بوجه ويخرج بوجه ، فإن ذا الوجهين لا يكون وجيها عندك . وقيل : الآية عامة في كل ما يتناول من الأمور ويحاول من الأسفار والأعمال ، وينتظر من تصرف المقادير في الموت والحياة . فهي دعاء ، ومعناه : رب اصلح لي وردي في كل الأمور وصدري . وقوله : " واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا " قال الشعبي وعكرمة : أي حجة ثابتة . وذهب الحسن إلى أنه العز والنصر وإظهار دينه على الدين كله . قال : فوعده الله لينزعن ملك فارس والروم وغيرها فيجعله له .


[10351]:راجع ج 18 ص 129.
[10352]:راجع ج 12 ص 119.