إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَقُل رَّبِّ أَدۡخِلۡنِي مُدۡخَلَ صِدۡقٖ وَأَخۡرِجۡنِي مُخۡرَجَ صِدۡقٖ وَٱجۡعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلۡطَٰنٗا نَّصِيرٗا} (80)

{ وَقُل رَّبّ أدخلني } أي القبرَ { مُدْخَلَ صِدْقٍ } أي إدخالاً مرضياً { وأخرجني } أي منه عند البعثِ { مُخْرَجَ صِدْقٍ } أي إخراجاً مَرْضياً مَلْقيًّا بالكرامة ، فهو تلقينٌ للدعاء بما وعده من البعث المقرونِ بالإقامة المعهودةِ التي لا كرامةَ فوقها ، وقيل : المرادُ إدخالُ المدينةِ والإخراجُ من مكةَ ، وتغييرُ ترتيبِ الوجودِ لكون الإدخالِ هو المقصدُ ، وقيل : إدخالُه عليه السلام مكةَ ظاهراً عليها وإخراجُه منها آمناً من المشركين ، وقيل : إدخالُه الغارَ وإخراجُه منه سالماً ، وقيل : إدخالُه فيما حمله من أعباء الرسالةِ وإخراجُه منه مؤدياً حقَّه ، وقيل : إدخالُه في كل ما يلابسه من مكان أو أمرٍ وإخراجُه منه ، وقرئ مَدخل ومَخرج بالفتح على معنى أدخلني فأدخُلَ دخولاً وأخرجني فأخرُجَ خروجاً كقوله : [ الطويل ]

وعضةُ دهرٍ يا ابنَ مروانَ لم تدَع *** من المال إلا مُسحَتٌ أو مجلِّفُ{[508]}

أي لم تدَع فلم يبْقَ { واجعل لي مِن لَّدُنْكَ سلطانا نَّصِيرًا } حجةً تنصُرني على من يخالفني أو مُلكاً وعزاً ناصراً للإسلام مظهِراً له على الكفر ، فأجيبت دعوتُه عليه السلام بقوله عز وعلا : { والله يَعْصِمُكَ مِنَ الناس } { أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الله هُمُ المفلحون } { لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدين كُلّهِ } { لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ في الأرض } .


[508]:الرواية المشهورة: وعض زمان يا ابن مروان لم يدع من المال إلا مسحتا أو مجلف على نصب "مسحتا" ورفع "مجلف". والبيت للفرزدق في ديوانه 2/26؛ وجمهرة أشعار العرب ص 880، وجمهرة اللغة ص 386؛ وخزانة الأدب 1/237؛ والخصائص 1/99؛ ولسان العرب (سحت،جلف،ودع).