قوله تعالى : { أو يأخذهم على تخوف } ، والتخوف : النقص ، أي : ينقص من أطرافهم ونواحيهم شيئا بعد شيء حتى يهلك جميعهم ، يقال : تخوفه الدهر وتخونه : إذا نقصه وأخذ ماله وحشمه . ويقال : هذا لغة بني هذيل . وقال الضحاك والكلبي : هو من الخوف أي : يعذب طائفة فيتخوف الآخرون أن يصيبهم مثل ما أصابهم . { فإن ربكم لرؤوف رحيم } ، حين لم يعجل بالعقوبة .
وقوله : { أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ } أي : أو يأخذهم الله في حال خوفهم من أخذه لهم ، فإنه يكون أبلغ وأشد حالة الأخذ ؛ فإن حصول ما يتوقع مع الخوف شديد ؛ ولهذا قال العوفي ، عن ابن عباس : { أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ } يقول : إن شئت أخذته على أثر موت صاحبه وتخوفه بذلك . وكذا روي عن مجاهد ، والضحاك ، وقتادة وغيرهم .
ثم قال تعالى : { فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ } أي : حيث لم يعاجلكم بالعقوبة ، كما ثبت في الصحيحين " [ لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله ، إنهم يجعلون له ولدًا وهو يرزقهم ويعافيهم " {[16479]} ، وفي الصحيحين ]{[16480]} إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته " ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } [ هود : 102 ]{[16481]} وقال تعالى : { وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ } [ الحج : 48 ] .
{ أو يأخذهم على تخوّف } على مخافة بأن يهلك قوما قبلهم فيتخوفوا فيأتيهم العذاب وهم متخوفون ، أو على أن ينقصهم شيئا بعد شيء في أنفسهم وأموالهم حتى يهلكوا من تخوفته إذا تنقصته . روي أن عمر رضي الله تعالى عنه قال على المنبر : ما تقولون فيها فسكتوا فقام شيخ من هذيل فقال : هذه لغتنا التخوف التنقص ، فقال هل تعرف العرب ذلك في أشعارها قال نعم ، قال شاعرنا أبو كبير يصف ناقته :
تخوّف الرحلُ منها بامكاً قرداً *** كما تخوّف عود النبعة السفُن
فقال عمر عليكم بديوانكم لا تضلوا قالوا : وما ديواننا قال : شعر الجاهلية ، فإن فيه تفسير كتابكم ومعاني كلامكم . { فإن ربكم لرؤوف رحيم } حيث لا يعاجلكم بالعقوبة .
وقوله { على تخوف } أي على جهة التخوف ، والتخوف النقص ومنه قول الشاعر : [ البسيط ]
تخوف السير منها تامكاً فرداً . . . كما تخوف عود النبعة السفن{[7316]}
فالسفن : الِمبرد ، ويروى أن عمر بن الخطاب خفي عليه معنى «التخوف » في هذه الآية ، وأراد الكتب إلى الأمصار يسأل عن ذلك ، حتى سمع هذا البيت ، ويروى أنه جاءه فتى من العرب وهو قد أشكل عليه أمر لفظة «التخوف » ، فقال له يا أمير المؤمنين : إن أبي يتخوفني مالي ، فقال عُمر : الله كبر { أو يأخذهم على تخوف } ، ومنه قول طرفة :
وجامل خوف من نبيه . . . زجرُ المعلى أبداً والسفيح{[7317]}
ويروى من نبته ، ومنه قول الآخر : [ الوافر ]
ألأم على الهجاء وكل يوم . . . تلاقيني من الجيران غول
تخوف غدرهم مالي وهدي . . . سلاسل في الحلوق لها صليل{[7318]}
يريد الأهاجي ، ومنه قول النابغة : [ الطويل ]
تخوفهم حتى أذل سراتهم . . . بطعن ضرار بعد قبح الصفائح{[7319]}
قال القاضي أبو محمد : وهذا التنقص يتجه الوعيد به على معنيين : أحدهما أن يهلكهم ويخرج أرواحهم على تخوف أي أفذاذاً ينقصهم بذلك الشيء بعد الشيء ، وهذا لا يدعي أحد أنه يأمنه ، وكأن هذا الوعيد إنما يكون بعذاب ما يلقون بعد الموت ، وإلا فبهذا تهلك الأمم كلها ، ويؤيد هذا قوله { فإن ربكم لرؤوف رحيم } أي إن هذه الرتبة الثالثة من الوعيد ، فيها رأفة ورحمة وإمهال ليتوب التائب ويرجع الراجع : والآخر أن يأخذ بالعذاب طائفة أو قرية ويترك أخرى ، ثم كذلك حتى يهلك الكل ، وقالت فرقة : «التخوف » هنا من الخوف أي يأخذهم بعد تخوف ينالهم فيعذبهم به .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.