فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{أَوۡ يَأۡخُذَهُمۡ عَلَىٰ تَخَوُّفٖ فَإِنَّ رَبَّكُمۡ لَرَءُوفٞ رَّحِيمٌ} (47)

{ أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرؤُوفٌ رَّحِيمٌ ( 47 ) }

{ أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى } حال { تَخَوُّفٍ } وتوقع البلايا بأن يكونوا متوقعين للعذاب حذرين منه غير غافلين عنه فهو خلاف ما تقدم من قوله ، أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون .

وقال ابن الأعرابي : على تنقص من الأموال والأنفس والثمرات حتى يهلكهم كلهم . قال الواحدي قال عامة المفسرين ، معنى على تخوف على تنقص إما بقتل أو بموت يعني بنقص من أطرافهم ونواحيهم يأخذهم الأول فالأول حتى يأتي الأخذ على جميعهم قال والتخوف التنقص ، يقال هو يتخوف المال أي ينتقصه ويأخذ من أطرافه . انتهى .

يقال تخوفه الدهر وتخونه بالفاء والنون تنقصه ، قال الهيثم بن عدي : التخوف بالفاء التنقص لغة لأزد شنوءه . وقال ابن قتيبة : هذه لغة هذيل وقيل على تخوف على عجل ، قاله الليث بن سعد ، وقيل على تقريع بما قدموه من ذنوبهم ، روي ذلك عن ابن عباس ، وقيل على تخوف أن يعاقب ويتجاوز . قاله قتادة .

وعن ابن عباس على أثر موت صاحبه : وعنه أيضا وتنقص من أعمالهم . وعن عمر أنه سألهم عن هذه الآية فقالوا : ما نرى إلا أنه عند تنقص ما يردوه من الآيات ، فقال عمر : ما أرى إلا أنه على ما يتنقصون من معاصي الله ، فخرج رجل ممن كان عند عمر فلقى أعرابيا فقال : يا فلان ما فعل ربك ؟ قال قد تخيفته يعني تنقصته ، فرجع إلى عمر فأخبره فقال قد رأيته ذلك .

وعبارة البيضاوي روي أن عمر قال على المنبر : ما تقولون فيها ؟ فسكتوا ، فقام شيخ من هذيل فقال : هذه لغتنا التخوف التنقص ، فقال : هل تعرف العرب ذلك في أشعارها ؟ فقال : نعم ، قال شاعرنا أبو بكر يصف ناقته :

تخوف الرحل منها تامكا قردا كما تخوف عود النبعة السفن فقال عمر : عليكم بديوانكم لا تضلوا ، قالوا : وما ديواننا . قال شعر الجاهلية فإن فيه تفسير كتابكم ومعاني كلامكم أه .

قال الشهاب : الرحل رحل الناقة والتامك السنام المشرف والقرد هو المرتفع أو المتراكم ، والنبع شجر يتخذ منه القسي ، والسفن هنا المبرد والقدوم يصف ناقته بأنها أثر الرحل في سنامها ، فأكله وانتقصه كما ينتقص المبرد العود . انتهى .

وعن مجاهد قال : على تخوف يأخذهم بنقص بعضهم بعضا وقال الضحاك والكلبي : هو من الخوف يعني يهلك طائفة فيتخوف الآخرون أن يصيبهم ما أصابهم ؛ والحاصل أنه سبحانه خوفهم بخسف يحصل في الأرض أو بعذاب ينزل من السماء ، أو بآفات تحدث دفعة ، أو بآفات تحدث قليلا قليلا إلى أن يأتي الهلاك على آخرهم .

ثم إنه سبحانه ختم الآية بقوله : { فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرؤُوفٌ رَّحِيمٌ } لا يعاجل بالعذاب بل يمهل رأفة بكم ورحمة لكم مع استحقاقكم للعقوبة .