الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{أَوۡ يَأۡخُذَهُمۡ عَلَىٰ تَخَوُّفٖ فَإِنَّ رَبَّكُمۡ لَرَءُوفٞ رَّحِيمٌ} (47)

وقوله : { على تَخَوُّفٍ } [ النحل : 47 ] .

أي على جهة التخُّوف ، والتخُّوفُ التنقُّص ، وروي أن عمر بن الخطَّاب رضي اللَّه عنه خَفِيَ عليه معنى التخُّوف في هذه الآية ، وأراد الكَتْبَ إلى الأمصار يسأل عن ذلك ، فيروَى أنه جاءه فَتًى مِن العرب ، فقال : يا أمير المؤمِنِين ، إِنَّ أَبي يتخَّوفُنِي مَالي ، فقَالَ عُمَرُ : اللَّهُ أَكْبَرُ ! { أَوْ يَأْخُذَهُمْ على تَخَوُّفٍ } ومنه قول النابغة : [ الطويل ]

تَخَّوَفَهُمْ حَتَّى أَذَلَّ سَرَاتَهُمْ *** بِطَعْنِ ضِرَارٍ بَعْدَ فَتْحِ الصَّفائِحِ

وهذا التنقُّص يتَّجه به الوعيدُ على معنيين :

أحدهما : أن يهلكهم ويخرج أرواحهم على تخَّوف ، أي : أفذاذاً يتنقَّصهم بذلك الشيءَ بعد الشيءِ ، ويصيِّرهم إِلى ما أعدَّ لهم من العذاب ، وفي هذه الرتبةِ الثالثة مِنَ الوعيدِ رأْفَةٌ ورحمةٌ وإِمهال ليتوبَ التائِبُ ، ويرجِعَ الرَّاجع ، والثاني : ما قاله الضَّحَّاك : أنْ يأخذ بالعذابِ طائفةً أو قريةً ، ويترك أخرى ، ثم كذلك حتَّى يَهْلِكَ الكُلُّ ،

وقالت فرقة : «التخُّوف » هنا : من الخْوف ، أي : فيأخذهم بعد تخُّوف ينالهم يعذِّبهم به .