الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{أَوۡ يَأۡخُذَهُمۡ عَلَىٰ تَخَوُّفٖ فَإِنَّ رَبَّكُمۡ لَرَءُوفٞ رَّحِيمٌ} (47)

{ أو يأخذهم على تخوف } [ 47 ] .

أي : أو يهلكهم{[39055]} الله بتخوف . وذلك نقص من أطرافهم ونواحيهم الشيء بعد الشيء حتى يهلك جميعهم{[39056]} . وقال الزجاج معناه : أو يأخذهم بعد أن يخوفهم{[39057]} بأن يهلك قرية فتخاف التي تليها{[39058]} . وقال الضحاك : معناه أو أخذ طائفة وادع طائفة فتخاف الباقية أن ينزل بها ما نزل بصاحبتها{[39059]} . وقال ابن عباس ومجاهد { على تخوف } على تنقص . أي ينقص من أموالهم وزروعهم حتى يهلكهم{[39060]} .

وروى مالك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأ هذه الآية فقال : ما{[39061]} التخوف{[39062]} ؟ فأقام بذلك أياما ، فأتاه غلام من أعراب قيس فقال : يا أمير المؤمنين أراني يتخوفني مالي . فقال له عمر : كيف{[39063]} يتخوفك مالك ؟ فقال ينقصني{[39064]} مالي : فقال عمر { أو يأخذهم على تخوف } على تنقص{[39065]} . وقيل معنى{[39066]} : { على تخوف } أي{[39067]} : يأخذهم بالهلاك فيخوف بهم غيرهم ليتعظوا ، وهو قول الضحاك{[39068]} . وقال الليث{[39069]} : { على تخوف } على عجل{[39070]} .

ويروى عن عمر [ رضي الله عنه{[39071]} ] أنه [ قال{[39072]} ] ما كنت أدري ما معنى { على تخوف } حتى سمعت قول الشاعر :

تخوف السير{[39073]} منها تامكا{[39074]} قردا{[39075]}

كما{[39076]} تخوف عود{[39077]} النبعة السفن{[39078]}

يصف ناقته أن السير نقص سنامها{[39079]} بعد تمكنه{[39080]} .

ثم قال تعالى : { فإن ربكم لرءوف رحيم } [ 47 ] .

أي : رؤوف أن آخر هؤلاء الذين مكروا السيئات فلم يعجل لهم بالعقوبة ، رحيم بعباده ، إذ لم يعجل عقوبتهم ، وجعل لهم فسحة في التوبة{[39081]} .


[39055]:طمس أتى على ثلاثة سطور من ص 345 من ط.
[39056]:وهو قول ابن جرير، انظر: جامع البيان 14/112.
[39057]:ط: بعد أن يخفيهم.
[39058]:انظر: معاني الزجاج 3/201.
[39059]:انظر: قوله في جامع البيان 14/114، والجامع 10/73.
[39060]:انظر: قولهما في مجاز القرآن 1/360، وغريب القرآن 243، وجامع البيان 14/113.
[39061]:ط: أما.
[39062]:الخوف.
[39063]:ط: وكيف.
[39064]:ق: ينتقضي.
[39065]:ورد هذا الأثر عن عمر بن الخطاب بطرق أخرى ومع بعض الاختلاف. انظر: معاني الزجاج 3/201 والكشاف 2/411 والتفسير الكبير 20/40 والجامع 10/73.
[39066]:ق: معناه.
[39067]:ق: على أي.
[39068]:وقد مر قول الضحاك في الصفحة السابقة.
[39069]:هو: الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي بالولاء، أبو الحارث أمام أهل مصر في عصره حديثا وفقها، وأصله من خراسان ومولده في قلقشنده سنة 94 ووفاته بالقاهرة سنة 175 هـ. انظر: ترجمته في وفيات الأعيان 3/423، وميزان الاعتدال 3/432 وتذكرة الحفاظ 1/224 وتهذيب التهذيب 8/465.
[39070]:انظر : الجامع 10/74.
[39071]:ساقط من ط.
[39072]:انظر : المصدر السابق.
[39073]:ط: "تخوف السيل".
[39074]:ط: "تامكة". والتمك السنام المرتفع.
[39075]:في النسختين معا "فردا" والصواب "قردا" والقرد المتلبد الشعر.
[39076]:ط: "حتى".
[39077]:ط : "عرد".
[39078]:البيت منسوب لابن مزاحم الثمالي في الأغاني 6/72، ولذي الرمة الصحاح (خوف) و(سفن) واللسان (سفن). ولم أجده في ديوانه، ولابن مقبل في اللسان (خوف)، ولأبي بكير الهذلي في الجامع 10/73، ولزهير في الكشاف 2/411، وبلا نسبة في جامع البيان 14/113 ومعاني الزجاج 3/201.
[39079]:ق "ستامها"
[39080]:سبق تخريج هذا الأثر عن عمر بن الخطاب في الصفحة السابقة.
[39081]:وهو تفسير ابن جرير، انظر: جامع البيان 14/114، وأحكام ابن العربي 3/1203.