السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{أَوۡ يَأۡخُذَهُمۡ عَلَىٰ تَخَوُّفٖ فَإِنَّ رَبَّكُمۡ لَرَءُوفٞ رَّحِيمٌ} (47)

الأمر الرابع : قوله تعالى : { أو يأخذهم على تخوّف } وفي تفسير التخوّف قولان ؛ الأوّل : التخوّف تفعل من الخوف يقال : خفت الشيء وتخوّفته ، والمعنى : أنه تعالى لا يأخذهم بالعذاب أوّلاً بل يخيفهم أوّلاً ثم يعذبهم بعده ، وتلك الإخافة هو أنه تعالى يهلك قرية فتخاف التي تليها فيأتيهم العذاب . والثاني : التخوّف بمعنى التنقص ، أي : أنه تعالى ينقص شيئاً بعد شيء في أنفسهم وأموالهم حتى يهلكوا من تخوّفه إذا تنقصه . وروي أنّ عمر رضي الله تعالى عنه قال على المنبر : ما تقولون في هذه الآية ؟ فسكتوا . فقال شيخ من هذيل : هذه لغتنا التخوّف التنقص . فقال عمر : هل تعرف العرب ذلك في أشعارها ؟ قال : نعم ، قال شاعرنا أبو كبير :

تخوّف ، أي : تنقص الرحل ، أي : رحل ناقته منها تامكاً ، أي : سناماً قردا ، أي : متراكماً أو مرتفعاً وهو بسكون الراء كما تخوّف عود النبعة السفن .

والنبعة بالضم واحدة النبع وهو شجر يتخذ منه السفن والسفن بفتح السين والفاء ما ينحت به الشيء وهو فاعل تخوّف ومفعوله عود . فقال عمر : عليكم بديوانكم . قالوا : وما ديواننا ؟ قال : شعر الجاهلية فيه تفسير كتابكم ومعاني كلامكم . ومعنى البيت أنّ رحل ناقته ينقص سنامها المتراكم أو المرتفع كما ينقص السفن عود النبعة .

{ فإنّ ربكم } أي : المحسن إليكم بإهلاك من يريد وإبقاء من يريد وقوله تعالى : { لرؤوف } قرأه أبو عمرو وشعبة وحمزة والكسائي بقصر الهمزة والباقون بالمدّ ومعناه بليغ الرحمة لمن يتوسل إليه بنوع وسيلة وكذا من قاطعه أتم مقاطعة وإليه أشار بقوله تعالى : { رحيم } أي : حيث لم يعاجلهم بالعذاب .