مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{أَوۡ يَأۡخُذَهُمۡ عَلَىٰ تَخَوُّفٖ فَإِنَّ رَبَّكُمۡ لَرَءُوفٞ رَّحِيمٌ} (47)

قوله تعالى : { أو يأخذهم على تخوف } وفي تفسير التخوف قولان :

القول الأول : التخوف تفعل من الخوف ، يقال خفت الشيء وتخوفته . والمعنى أنه تعالى لا يأخذهم بالعذاب أولا بل يخيفهم أولا ثم يعذبهم بعده ، وتلك الإخافة هو أنه تعالى يهلك فرقة فتخاف التي تليها فيكون هذا أخذا وردا عليهم بعد أن يمر بهم قبل ذلك زمانا طويلا في الخوف والوحشة .

والقول الثاني : أن التخوف هو التنقص قال ابن الأعرابي يقال : تخوفت الشيء وتخفيته إذا تنقصته ، وعن عمر أنه قال على المنبر : ما تقولون في هذه الآية ؟ فسكتوا فقام شيخ من هذيل فقال : هذه لغتنا التخوف التنقص ، فقال عمر : هل تعرف العرب ذلك في أشعارها ؟ قال : نعم . قال شاعرنا وأنشد :

تخوف الرحل منها تامكا قردا *** كما تخوف عود النبعة السفن

فقال عمر : أيها الناس عليكم بديوانكم لا تضلوا ، قالوا : وما ديواننا ؟ قال شعر الجاهلية فيه تفسير كتابكم .

إذا عرفت هذا فنقول : هذا التنقص يحتمل أن يكون المراد منه ما يقع في أطراف بلادهم كما قال تعالى : { أولا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها } والمعنى أنه تعالى لا يعاجلهم بالعذاب ولكن ينقص من أطراف بلادهم إلى القرى التي تجاورهم حتى يخلص الأمر إليهم فحينئذ يهلكهم ، ويحتمل أن يكون المراد أنه ينقص أموالهم وأنفسهم قليلا قليلا حتى يأتي الفناء على الكل فهذا تفسير هذه الأمور الأربعة ، والحاصل أنه تعالى خوفهم بخسف يحصل في الأرض ، أو بعذاب ينزل من السماء أو بآفات تحدث دفعة واحدة حال ما لا يكونون عالمين بعلاماتها ودلائلها ، أو بآفات تحدث قليلا قليلا إلى أن يأتي الهلاك على آخرهم ، ثم ختم الآية بقوله : { فإن ربكم لرؤوف رحيم } والمعنى أنه يمهل في أكثر الأمر لأنه رؤوف رحيم فلا يعاجل بالعذاب .