قوله تعالى : { وليست التوبة للذين يعملون السيئات } . يعني : المعاصي .
قوله تعالى : { حتى إذا حضر أحدهم الموت } . ووقع في النزع .
قوله تعالى : { قال إني تبت الآن } . وهي حالة السوق ، حين يساق بروحه ، لا يقبل من كافر إيمان ، ولا من عاص توبة . قال الله تعالى : { فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا } [ غافر :85 ] ولذلك لم ينفع الإيمان فرعون حين أدركه الغرق .
قوله تعالى : { ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا } . أي : هيأنا وأعددنا ، { لهم عذاباً أليماً } .
وهذا كما قال تعالى : { فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ [ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ . فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا ]{[6821]} } الآيتين ، [ غافر : 84 ، 85 ] وكما حكم تعالى بعدم توبة أهل الأرض إذا عاينوا الشمس طالعة من مغربها كما قال [ تعالى ]{[6822]} { يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا } الآية [ الأنعام : 158 ] .
وقوله : { وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ } [ الآية ]{[6823]} يعني : أن الكافر إذا مات على كفره وشركه لا ينفعه ندمه ولا توبته ، ولا يقبل منه فدية ولو بملء الأرض [ ذهبا ]{[6824]} .
قال ابن عباس ، وأبو العالية ، والربيع بن أنس : { وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ } قالوا : نزلت في أهل الشرك .
وقال الإمام أحمد : حدثنا سليمان بن داود ، حدثنا عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان ، قال : حدثني أبي ، عن مكحول : أن عُمَرَ بن نعيم حدثه عن أسامة بن سلمان : أن أبا ذر حدثهم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله يقبل تَوْبَةَ عَبْدِه - أو يغفر لعبده - ما لم يَقَعِ الحِجَاب " . قيل : وما وُقُوع الحجاب ؟ قال : " أن تَخرجَ النَّفْسُ وهي مُشْرِكة " {[6825]} ؛ ولهذا قال [ تعالى ]{[6826]} { أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا } أي : موجعا شديدا مقيما .
{ وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار } سوى بين من سوف يتوب إلى حضور الموت من الفسقة والكفار ، وبين من مات على الكفر في نفي التوبة للمبالغة في عدم الاعتداد بها في تلك الحالة ، وكأنه قال وتوبة هؤلاء وعدم توبة هؤلاء سواء . وقيل المراد بالذين يعملون السوء عصاة المؤمنين ، وبالذين يعملون السيئات المنافقون لتضاعف كفرهم وسوء أعمالهم ، وبالذين يموتون الكفار . { أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما } تأكيد لعدم قبول توبتهم ، وبيان أن العذاب أعده لهم لا يعجزه عذابهم متى شاء ، والاعتداد التهيئة من العتاد وهو العدة ، وقيل أصله أعددنا فأبدلت الدال الأولى تاء .
ثم نفى بقوله تعالى : { وليست التوبة } الآية أن يدخل في حكم التائبين من حضره موته وصار في حيز اليأس ، وحضور الموت هو غاية قربه ، كما كان فرعون حين صار في غمرة الماء والغرق ، فلم ينفعه ما أظهر من الإيمان ، وبهذا قال ابن عباس وابن زيد وجماعة المفسرين ، وقاله الربيع : الآية الأولى قوله : { إنما التوبة على الله } هي في المؤمنين ، والآية الثانية قوله : { وليست التوبة } الآية نزلت في المسلمين ثم نسخت بقوله تعالى : { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء }{[3905]} فحتم أن لا يغفر للكافر وأرجأ المؤمنين إلى مشيئته لم ييئسهم من المغفرة .
قال القاضي أبو محمد : وطعن بعض الناس في هذا القول بأن الآية خبر ، والأخبار لا تنسخ . وهذا غير لازم ، لأن الآية لفظها الخبر ، ومعناه تقرير حكم شرعي ، فهي نحو قوله تعالى : { وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله }{[3906]} ونحو قوله تعالى : { إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين }{[3907]} وإنما يضعف القول بالنسخ من حيث تنبني الآيتان ولا يحتاج إلى تقرير نسخ ، لأن هذه الآية لم تنف أن يغفر للعاصي الذي لم يتب من قريب ، فنحتاج أن نقول ، إن قوله : { ويغفر ما دون ذلك } [ النساء : 48 ، 116 ] نسخها وإنما نفت هذه الآية أن يكون تائباً من لم يتب إلا مع حضور الموت ، فالعقيدة عندي في هذه الآيات : أن من تاب من قريب فله حكم التائب فيغلب الظن عليه أنه ينعم ولا يعذب ، هذا مذهب أبي المعالي وغيره ، وقال غيرهم : بل هو مغفور له قطعاً ، لإخبار الله تعالى بذلك ، وأبو المعالي يجعل تلك الأخبار ظواهر مشروطة بالمشيئة ، ومن لم يتب حتى حضره الموت فليس في حكم التائبين ، فإن كان كافراً فهو يخلد ، وإن كان مؤمناً فهو عاص في المشيئة ، لكن يغلب الخوف عليه ، ويقوى الظن في تعذيبه ، ويقطع من جهة السمع أن من هذه الصنيفة من يغفر الله له تعالى تفضلاً منه ولا يعذبه وأعلم الله تعالى أيضاً أن { الذين يموتون وهم كفار } فلا مستعتب لهم ولا توبة في الآخرة ، وقوله تعالى : { أولئك أعتدنا لهم عذاباً أليماً } إن كانت الإشارة إلى الذين يموتون وهم كفار فقط ، فالعذاب عذاب خلود ، وإن كانت الإشارة إليهم وإلى من ينفذ عليه الوعيد ، ممن لا يتوب إلا مع حضور الموت من العصاة فهو في جهة هؤلاء ، عذاب ولا خلود معه ، و { أعتدنا } معناه : يسرناه وأحضرناه ، وظاهر هذه الآية أن النار مخلوقة بعد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.