فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَلَيۡسَتِ ٱلتَّوۡبَةُ لِلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ ٱلسَّيِّـَٔاتِ حَتَّىٰٓ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ ٱلۡمَوۡتُ قَالَ إِنِّي تُبۡتُ ٱلۡـَٰٔنَ وَلَا ٱلَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمۡ كُفَّارٌۚ أُوْلَـٰٓئِكَ أَعۡتَدۡنَا لَهُمۡ عَذَابًا أَلِيمٗا} (18)

{ وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما ( 18 ) }

{ وليست التوبة للذين يعملون السيئات } الذنوب ، فيه تصريح بما فهم من حصر التوبة فيما سبق على من عمل السوء بجهالة ثم تاب عن قريب ، قال أبو العالية : هذه لأهل النفاق وبه قال سعيد ابن جبير ، قال ابن عباس : يريد أهل الشرك أي الكفار ، وقال الثوري : هم المسلمون . ألا ترى أنه قال ولا الذين يموتون وهم كفار .

{ حتى } حرف ابتداء ، وجملة { إذ حضر أحدهم الموت } غاية لما قبلها ، وهذا وجه حسن وحضور الموت حضور علاماته وبلوغ المريض إلى حالت السياق ومصيره مغلوبا على نفسه مشغولا بخروجها من بدنه ، وهو وقت الغرغرة المذكورة في الحديث السابق وهي بلوغ روحه حلقومه ، قاله الهروي .

{ قال } عند مشاهدة ما هو فيه { إني تبت الآن } أي وقت حضور الموت حين لا يقبل من كافر إيمان ولا من عاص توبة ، قال تعالى { فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا } قيل قرب الموت لا يمنع من قبول التوبة بل المانع من قبولها مشاهدة الأحوال التي لا يمكن معها الرجوع إلى الدنيا بحال ، ولذلك لم تقبل توبة فرعون ولا إيمانه حين أدركه الغرق .

{ ولا الذين يموتون وهم كفار } إذا تابوا في الآخرة عند معاينة العذاب ، قال أبو العالية لأهل الشرك وروى عن الربيع مثله مع أنه لا توبة لهم رأسا ، وإنما ذكروا مبالغة في بيان عدم قبول توبة من حضرهم الموت ، وإن وجودها كعدمها أي ليست التوبة لهؤلاء ولا لهؤلاء { أولئك اعتدنا لهم } أي أحضرنا وهيأنا وأعددنا { عذابا أليما } مؤلما .