إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَلَيۡسَتِ ٱلتَّوۡبَةُ لِلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ ٱلسَّيِّـَٔاتِ حَتَّىٰٓ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ ٱلۡمَوۡتُ قَالَ إِنِّي تُبۡتُ ٱلۡـَٰٔنَ وَلَا ٱلَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمۡ كُفَّارٌۚ أُوْلَـٰٓئِكَ أَعۡتَدۡنَا لَهُمۡ عَذَابًا أَلِيمٗا} (18)

{ وَلَيْسَتِ التوبة لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السيئات } تصريحٌ بما فُهم من قصر القَبولِ على توبة من تاب من قريب ، وزيادةُ تعيينٍ له ببيان أن توبةَ مَنْ عداهم بمنزلة العدمِ ، وجمعُ السيئاتِ باعتبار تكررِ وقوعِها في الزمان المديدِ لا لأن المرادَ بها جميعُ أنواعِها وبما مرّ من السوء نوعٌ منها { حتى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الموت قَالَ إِنّي تُبْتُ الان } حتى حرفُ ابتداءٍ والجملةُ الشرطيةُ بعدها غايةٌ لما قبلها أي ليس قبولُ التوبةِ للذين يعملون السيئاتِ إلى حضور موتِهم وقولهم حينئذٍ إني تبتُ الآنَ ، وذكرُ الآن لمزيد تعيينِ الوقتِ ، وإيثارُ قال على تاب لإسقاط ذلك عن درجة الاعتبارِ والتحاشي عن تسميته توبةً { وَلاَ الذين يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ } عطفٌ على الموصول الذي قبله أي ليس قبولُ التوبةِ لهؤلاء ولا لهؤلاء وإنما ذُكر هؤلاء مع أنه لا توبةَ لهم رأساً مبالغةً في بيان عدمِ قبولِ توبةِ المُسوِّفين وإيذاناً بأن وجودَها كعدمها بل في تكرير حرفِ النفيِ في المعطوف إشعارٌ خفيٌّ بكون حالِ المسوِّفين في عدم استتباعِ الجدوى أقوى من حال الذين يموتون على الكفر ، والمرادُ بالموصولَيْن إما الكفارُ خاصةً وإما الفساقُ وحدهم ، وتسميتُهم في الجملة الحاليةِ كفاراً للتغليظ كما في قوله تعالى : { وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ العالمين } [ آل عمران ، الآية 97 ] ، وأما ما يعمُّ الفريقين جميعاً فالتسميةُ حينئذٍ للتغليب ، ويجوز أن يراد بالأول الفسقَةُ وبالثاني الكفرةُ ، ففيه مبالغةٌ أخرى { أولئك } إشارةٌ إلى الفريقين ، وما فيه من معنى البُعدِ للإيذان بترامي حالهم في الفظاعة وبُعدِ منزلتِهم في السوء ، وهو مبتدأٌ خبرُه { أَعْتَدْنَا لَهُمْ } أي هيأنا لهم { عَذَاباً أَلِيماً } تكريرُ الإسناد لما مر من تقوية الحُكمِ ، وتقديمُ الجارِّ والمجرورِ على المفعول الصريحِ لإظهار الاعتناءِ بكون العذابِ مُعدًّا لهم ووصفُه للتفخيم الذاتي والوصفي .