الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَلَيۡسَتِ ٱلتَّوۡبَةُ لِلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ ٱلسَّيِّـَٔاتِ حَتَّىٰٓ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ ٱلۡمَوۡتُ قَالَ إِنِّي تُبۡتُ ٱلۡـَٰٔنَ وَلَا ٱلَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمۡ كُفَّارٌۚ أُوْلَـٰٓئِكَ أَعۡتَدۡنَا لَهُمۡ عَذَابًا أَلِيمٗا} (18)

نفى بقوله تعالى : { وَلَيْسَتِ التوبة . . . } [ النساء :18 ] أنْ يدخُلَ في حُكْم التائبين مَنْ حضره موتُهُ ، وصار في حَيِّز اليأس ، كما كان فرعونُ حِينَ صار في غَمْرة المَاءِ والغَرَقِ ، فلم ينفعْهُ ما أظهره من الإيمان ، وبهذا قال ابنُ عَبَّاس ، وجماعةُ المفسِّرين .

قال ( ع ) : والعقيدةُ عندي في هذه الآيات : أن مَنْ تاب مِنْ قريبٍ ، فله حُكْمُ التائب ، فَيَغْلِبُ الظَّنُّ عليه ، أنه ينعَّم ولا يعذَّب ، هذا مذهبُ أبي المَعَالِي وغيره .

وقال غيرهم : بل هو مغفُورٌ له قطعاً لإخبار اللَّه تعالى بذلك ، وأبو المَعَالِي يجعل تلْكَ الأخبار ظَوَاهِرَ مشروطةً بالمَشِيئَةِ ، ومَنْ لَم يَتُبْ حتى حضره المَوْت ، فليس في حُكْم التائبين ، فإنْ كان كافراً ، فهو يخلَّد ، وإن كان مؤمناً ، فهو عاصٍ في المشيئة ، لكنْ يَغْلِبُ الخَوْفُ عليه ، ويَقْوَى الظنُّ في تعذيبه ، ويُقْطَعُ من جهة السمْع ، أنَّ مِنْ هذه الصَّنِيفَةِ مَنْ يَغْفِرُ اللَّه تعالى لَهُ ، تفضُّلاً منه لا يعذِّبه .

وأَعْلَمَ اللَّه تعالى أيضاً ، أنَّ { الذين يموتُونَ وهم كفَّار } ، فلا مُستعْتَبَ لهم ، ولا توبةَ في الآخِرَةِ .

وقوله تعالى : { أولئك أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } إنْ كانتِ الإشارة إلى ( الذين يموتُونَ ، وهم كفَّار ) فقَطْ ، فالعذَابُ عذَابُ خلودٍ مؤبَّد ، وإنْ كانَتِ الإشارة إليهم وإلى مَنْ ينفذ علَيْه الوعيدُ مِمَّنْ لا يتُوبُ إلاَّ مع حضورِ المَوْت ، فهو في جهة هؤلاءِ عَذَابٌ لا خلود معه ، { وَاَعْتَدْنَا } معناه : يسَّرناه وأحْضَرْناه .