قال المحققون : قرب الموت وهو وقوعه في الشدائد بحيث يغلب على ظنه نزول الموت كما في القولنج ، وفي حالة الطلق ، وعند تلاطم الأمواج مع انكسار السفينة لا يمنع من قبول التوبة ، بل التوبة حينئذٍ أولى بالقبول لقوله :
{ أمن يجيب المضطر إذا دعاه }[ النمل :62 ] وإنما المانع من قبوله معاينة سلطان الموت ومشاهدة أحواله وأهواله بحيث تصير معرفته بالله ضرورية كما لأهل الآخرة ، وحينئذٍ يسقط التكليف عنه إذ لم يبق في يده زمام الاختيار ، وأفضى الأمر إلى حد الإلجاء والإجبار . وههنا بحث للأشاعرة وهو أن أهل القيامة لا يشاهدون إلا أنهم صاروا أحياء بعد أن كانوا أمواتاً ، ويشاهدون أيضاً أهوال القيامة فيستدلون بها على وجود الفاعل ، فكيف يكون ذلك العلم ضرورياً ؟ وبتقدير كونه ضرورياً فلم يمنع ذلك صحة التكليف ؟ وذلك أن العبد مع علمه الضروري بوجود الإله المثيب المعاقب قد يقدم على المعصية لعلمه بأنه كريم وأنه لا تنفعه طاعة العبد ولا يضره ذنبه . وأيضا العلم النظري هو الذي لا يكون معه تجويز نقيضه ، وعلى هذا فلا فرق بينه وبين الضروري ألبتة ، وعلى هذا فكيف يصير النظري موجباً للتكليف ، والضروري مانعاً من التكليف ؟ فثبت ضعف هذا الفرق ، وأنه تعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ، فهو بفضله وعد وقبل التوبة في بعض الأوقات ، وبعدله أخبر عن عدم قبول التوبة في وقت آخر ، وله أن يقلب الأمر فيجعل المقبول مردوداً والمردود مقبولاً { لا يسأل عما يفعل وهم يسألون }[ الأنبياء :23 ] وأقول : التحقيق فيه أنه مالك الملك يتصرف في ملكه كيف يشاء ، وقوله صدق وأمره حق ، وقد عين لعبيده حالين : دنيا وعقبى . وقد أخبر أنه جعل الدنيا دار العمل ، والعقبة دار الجزاء ، وليس لأحد عليه اعتراض أنه لم يعكس الأمر . ثم إن لليقين مراتب : علم اليقين ، وعين اليقين ، وحق اليقين ، وليس ببعيد أن لا يكون عليم اليقين منافياً للتكليف ، ويكون عين اليقين منافياً له . ثم عطف قوله : { ولا الذين يموتون } على { للذين يعملون السيئات } تسوية بين الذين سوّفوا توبتهم إلى حضرة الموت ، وبين الذين ماتوا على الكفر في أنه لا توبة لهم لأن حضرة الموت أوّل أحوال الآخرة ، فكما إن المائت على الكفر قد فاتته التوبة على اليقين ، فكذلك المسوّف إلى حضرة الموت لمجاوزة كل منهما الحد المضروب للتوبة . أو المعنى أنه كما أن التوبة عن المعاصي لا تقبل عند القرب من الموت ، كذلك الإيمان لا يقبل عند القريب من الموت ، أو المراد أن الكفار إذا ماتوا على الكفر فلو تابوا في الآخرة لا تقبل توبتهم . { أولئك أعتدنا لهم } أي أعددنا الوعيد نظير قوله : { فأولئك يتوب الله عليهم } في الوعد ليتبين أن الأمرين كائنان لا محالة . قالت الوعيدية : المعطوف مغاير للمعطوف عليه .
لكن الطائفة الثانية كفار فالأوّلون فساق لكنهما مشتركان في العذاب الأليم ، فثبت أن حكمهما واحد . وأجيب بأن { أولئك } إشارة إلى أقرب المذكورين ، ويعضده أن الكفار أشنع قولاً من الفساق ، أو الطائفة الأولى هم الذين عاشوا على الكفر ثم تابوا في حضرة الموت كفرعون ، والثانية هم الذين عاشوا على الكفر وماتوا عليه كنمروذ مثلاً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.