غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَلَيۡسَتِ ٱلتَّوۡبَةُ لِلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ ٱلسَّيِّـَٔاتِ حَتَّىٰٓ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ ٱلۡمَوۡتُ قَالَ إِنِّي تُبۡتُ ٱلۡـَٰٔنَ وَلَا ٱلَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمۡ كُفَّارٌۚ أُوْلَـٰٓئِكَ أَعۡتَدۡنَا لَهُمۡ عَذَابًا أَلِيمٗا} (18)

11

قال المحققون : قرب الموت وهو وقوعه في الشدائد بحيث يغلب على ظنه نزول الموت كما في القولنج ، وفي حالة الطلق ، وعند تلاطم الأمواج مع انكسار السفينة لا يمنع من قبول التوبة ، بل التوبة حينئذٍ أولى بالقبول لقوله :

{ أمن يجيب المضطر إذا دعاه }[ النمل :62 ] وإنما المانع من قبوله معاينة سلطان الموت ومشاهدة أحواله وأهواله بحيث تصير معرفته بالله ضرورية كما لأهل الآخرة ، وحينئذٍ يسقط التكليف عنه إذ لم يبق في يده زمام الاختيار ، وأفضى الأمر إلى حد الإلجاء والإجبار . وههنا بحث للأشاعرة وهو أن أهل القيامة لا يشاهدون إلا أنهم صاروا أحياء بعد أن كانوا أمواتاً ، ويشاهدون أيضاً أهوال القيامة فيستدلون بها على وجود الفاعل ، فكيف يكون ذلك العلم ضرورياً ؟ وبتقدير كونه ضرورياً فلم يمنع ذلك صحة التكليف ؟ وذلك أن العبد مع علمه الضروري بوجود الإله المثيب المعاقب قد يقدم على المعصية لعلمه بأنه كريم وأنه لا تنفعه طاعة العبد ولا يضره ذنبه . وأيضا العلم النظري هو الذي لا يكون معه تجويز نقيضه ، وعلى هذا فلا فرق بينه وبين الضروري ألبتة ، وعلى هذا فكيف يصير النظري موجباً للتكليف ، والضروري مانعاً من التكليف ؟ فثبت ضعف هذا الفرق ، وأنه تعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ، فهو بفضله وعد وقبل التوبة في بعض الأوقات ، وبعدله أخبر عن عدم قبول التوبة في وقت آخر ، وله أن يقلب الأمر فيجعل المقبول مردوداً والمردود مقبولاً { لا يسأل عما يفعل وهم يسألون }[ الأنبياء :23 ] وأقول : التحقيق فيه أنه مالك الملك يتصرف في ملكه كيف يشاء ، وقوله صدق وأمره حق ، وقد عين لعبيده حالين : دنيا وعقبى . وقد أخبر أنه جعل الدنيا دار العمل ، والعقبة دار الجزاء ، وليس لأحد عليه اعتراض أنه لم يعكس الأمر . ثم إن لليقين مراتب : علم اليقين ، وعين اليقين ، وحق اليقين ، وليس ببعيد أن لا يكون عليم اليقين منافياً للتكليف ، ويكون عين اليقين منافياً له . ثم عطف قوله : { ولا الذين يموتون } على { للذين يعملون السيئات } تسوية بين الذين سوّفوا توبتهم إلى حضرة الموت ، وبين الذين ماتوا على الكفر في أنه لا توبة لهم لأن حضرة الموت أوّل أحوال الآخرة ، فكما إن المائت على الكفر قد فاتته التوبة على اليقين ، فكذلك المسوّف إلى حضرة الموت لمجاوزة كل منهما الحد المضروب للتوبة . أو المعنى أنه كما أن التوبة عن المعاصي لا تقبل عند القرب من الموت ، كذلك الإيمان لا يقبل عند القريب من الموت ، أو المراد أن الكفار إذا ماتوا على الكفر فلو تابوا في الآخرة لا تقبل توبتهم . { أولئك أعتدنا لهم } أي أعددنا الوعيد نظير قوله : { فأولئك يتوب الله عليهم } في الوعد ليتبين أن الأمرين كائنان لا محالة . قالت الوعيدية : المعطوف مغاير للمعطوف عليه .

لكن الطائفة الثانية كفار فالأوّلون فساق لكنهما مشتركان في العذاب الأليم ، فثبت أن حكمهما واحد . وأجيب بأن { أولئك } إشارة إلى أقرب المذكورين ، ويعضده أن الكفار أشنع قولاً من الفساق ، أو الطائفة الأولى هم الذين عاشوا على الكفر ثم تابوا في حضرة الموت كفرعون ، والثانية هم الذين عاشوا على الكفر وماتوا عليه كنمروذ مثلاً .

/خ22