الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَلَيۡسَتِ ٱلتَّوۡبَةُ لِلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ ٱلسَّيِّـَٔاتِ حَتَّىٰٓ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ ٱلۡمَوۡتُ قَالَ إِنِّي تُبۡتُ ٱلۡـَٰٔنَ وَلَا ٱلَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمۡ كُفَّارٌۚ أُوْلَـٰٓئِكَ أَعۡتَدۡنَا لَهُمۡ عَذَابًا أَلِيمٗا} (18)

قوله تعالى : { حَتَّى إِذَا } : حتى حرفُ ابتداء ، والجملةُ الشرطية بعدها غايةٌ لِما قبلها أي : ليست التوبةُ لقومٍ يعملون السيئات ، وغاية عَمِلهم إذا حضرهم الموتُ قالوا : كيت وكيت ، وهذا وجه حسن ، ولا يجوز في " حتى " أن تكونَ جارةً ل " إذا " أي : يعملون السيئات إلى وقت حضورِ الموت من حيث إنها شرطيةٌ ، والشرطُ لا يعمل فيه ما قبله ، وإذا جعلنا " حتى " جارةً تعلَّقت ب " يعملون " ، وأدواتُ الشرط لا يعمل فيها ما قبلها ، ألا ترى أنه يجوزُ : " بمَنْ تمرر أمرر " ، ولا يجوز : مَرَرْتُ بمن يَقُمْ أكرمْه ، لأنَّ له صدرَ الكلام ، ولأن " إذا " لا تتصرف على المشهور كما تقدم تقريره في أول البقرة واستدلَّ ابن مالك على تصرُّفها بوجوه ، منها : جَرُّها ب " حتى " نحو : { حَتَّى إِذَا جَآءُوهَا } [ الزمر : 71 ]

{ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ } [ يونس : 22 ] ، وفيه من الإِشكال ما ذكرته لك ، وقد تقدم تقرير ذلك عند قوله : { حَتَّى إِذَا بَلَغُواْ } [ النساء : 6 ] .

قوله : { وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ } " الذين " مجرورُ المحل عطفاً على قوله " للذين يعملون " أي ليست التوبةُ لهؤلاء ولا لهؤلاء ، فَسَوَّى بين مَنْ مات كافراً وبين مَنْ لم يتب إلا عند معاينةِ الموتِ في عدم قبول توبتِه ، والمرادُ بالعاملين السيئاتِ المنافقون .

وأجاز أبو البقاء في " الذين " أن يكونَ مرفوعَ المحل على الابتداء ، وخبرُه " أولئك " وما بعدَه ، معتقداً أن اللام لام الابتداء ، وليست ب " لا " النافية . وهذا الذي قاله من كونِ اللامِ لامَ الابتداء لا يَصِحُّ إلا أن يكون قد رُسِمَتْ في المصحف لامٌ داخلة على " الذين " فيصير " وللذين " ، وليس المرسوم كذلك ، إنما هو لام وألف ، وألف لام التعريف الداخلة على الموصول ، وصورته : ولا الذين .

قوله : " أولئك " مبتدأ ، و " أَعْتَدْنا " خبرُه ، و " أولئك " يجوز أن يكونَ إشارةً إلى " الذين يموتون وهم كفار/ ، لأنَّ اسم الإِشارة يَجْري مَجْرى الضميرِ فيعودُ لأقربِ مذكور ، ويجوزُ أَنْ يُشارَ به إلى الصِّفتين : الذين يعملون السيئات والذين يَمُوتون وهم كفار . وأعتدنا أي : أَحْضَرْنا .