لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{وَلَيۡسَتِ ٱلتَّوۡبَةُ لِلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ ٱلسَّيِّـَٔاتِ حَتَّىٰٓ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ ٱلۡمَوۡتُ قَالَ إِنِّي تُبۡتُ ٱلۡـَٰٔنَ وَلَا ٱلَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمۡ كُفَّارٌۚ أُوْلَـٰٓئِكَ أَعۡتَدۡنَا لَهُمۡ عَذَابًا أَلِيمٗا} (18)

قوله عز وجل : { وليست التوبة للذين يعملون السيئات } قال ابن عباس : يريد الشرك وقال أبو العالية وسعيد بن جبير : هم المنافقون وقال سفيان الثوري هم المسلمون ألا ترى أنه قال ولا والذين يموتوا وهم كفار { حتى إذا حضر أحدهم الموت } يعني وقع في النزاع وعاين ملائكة الموت وهو حالة السوق حين تساق الروح للخروج من جسده { قال إني تبت الآن } قال المحققون قرب الموت لا يمنع من قبول التوبة بل المانع من قبولها مشاهدة الأحوال التي لا يمكن معها الرجوع إلى الدنيا بحال ولذلك لم تقبل توبة فرعون ولا إيمانه وهو قوله تعالى : حتى إذا أدركه الغرق . قال : آمنت أنه لا إله إلاّ الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين ويدل على ذلك أيضاً قوله تعالى : { فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا } فإن قلت قد تعلقت الوعيدية بهذه الآية وقالوا أخبر الله تعالى إن عصاة المؤمنين إذا أهملوا أمرهم إلى انقضاء آجالهم حصلوا على عذاب الآخرة مع الكفار لأن الله تعالى جمعهم في قوله أولئك أعتدنا لهم عذاباً أليماً ، وأيضاً أنه تعالى أخبر أنه لا توبة لهم عند معاينة الموت وأسبابه . قلت ليس الأمر على ما زعموا فقد روي عن ابن عباس في قوله وليست التوبة للذين يعملون السيئات يريد الشرك وقال سعيد بن جبير : نزلت الآية الأولى في المؤمنين يعني قوله : إنما التوبة على الله والوسطى في المنافقين يعني قوله وليست التوبة والأخرى في الكافرين يعني قوله ولا الذين يموتون وهم كفار وإذا كانت الآية نازلة في المنافقين والكفار فلا وجه لحملها على المؤمنين وعلى تقدير أن تكون الآية نازلة في عصاة المؤمنين فقد روي عن ابن عباس في قوله تعالى : وليست التوبة للذين يعملون السيئات الآية ، ثم أنزل الله تعالى بعد ذلك إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء فحرم الله المغفرة على من مات وهو كافر وأرجأ أهل التوحيد إلى مشيئته ولم يؤيسهم من المغفرة فعلى هذا القول تكون الآية منسوخة في حق المؤمنين . وقوله تعالى : { ولا الذين يموتون وهم كفار } معناه لا توبة للكفار إذا ماتوا على كفرهم وإنما لم تقبل توبتهم في الآخرة لرفع التكليف في الآخرة ومعاينة ما وعدوا به من العقاب { أولئك أعتدنا لهم } أي هيأنا لهم { عذاباً أليماً } .