الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَلَيۡسَتِ ٱلتَّوۡبَةُ لِلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ ٱلسَّيِّـَٔاتِ حَتَّىٰٓ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ ٱلۡمَوۡتُ قَالَ إِنِّي تُبۡتُ ٱلۡـَٰٔنَ وَلَا ٱلَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمۡ كُفَّارٌۚ أُوْلَـٰٓئِكَ أَعۡتَدۡنَا لَهُمۡ عَذَابًا أَلِيمٗا} (18)

{ وَلاَ الذين يَمُوتُونَ } عطف على الذين يعملون السيئات . سوّى بين الذين سوّفوا توبتهم إلى حضرة الموت ، وبين الذين ماتوا على الكفر في أنه لا توبة لهم ، لأنّ حضرة الموت أول أحوال الآخرة ، فكما أنّ المائت على الكفر قد فاتته التوبة على اليقين ، فكذلك المسوّف إلى حضرة الموت لمجاوزة كل واحد منهما أوان التكليف والاختيار { أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ } في الوعيد نظير قوله : { فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ الله عَلَيْهِمْ } في الوعد ليتبين أن الأمرين كائنان لا محالة .

فإن قلت : من المراد بالذين يعملون السيئات . أهم الفساق من أهل القبلة أم الكفار ؟ قلت : فيه وجهان : أحدهما أن يراد الكفار ، لظاهر قوله : { وَهُمْ كُفَّارٌ } ، وأن يراد الفساق ، لأن الكلام إنما وقع في الزانيين ، والإعراض عنهما إن تابا وأصلحا ، ويكون قوله : { وَهُمْ كُفَّارٌ } وارداً على سبيل التغليظ كقوله : { وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِىٌّ عَنِ العالمين } [ آل عمران : 97 ] وقوله : ( فليمت إن شاء يهودياً أو نصرانياً ) «من ترك الصلاة متعمداً فقد كفر » لأن من كان مصدقاً ومات وهو لم يحدث نفسه بالتوبة ، حاله قريبة من حال الكافر ، لأنه لا يجترئ على ذلك إلا قلب مصمت .