الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَلَيۡسَتِ ٱلتَّوۡبَةُ لِلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ ٱلسَّيِّـَٔاتِ حَتَّىٰٓ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ ٱلۡمَوۡتُ قَالَ إِنِّي تُبۡتُ ٱلۡـَٰٔنَ وَلَا ٱلَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمۡ كُفَّارٌۚ أُوْلَـٰٓئِكَ أَعۡتَدۡنَا لَهُمۡ عَذَابًا أَلِيمٗا} (18)

قوله : ( وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ ) الآية [ 18 ] .

المعنى : ليست لمن يصر على معاصي الله حتى إذا حشرج( {[11891]} ) بنفسه وعاين ملائكة ربه قد أتوا لقبض روحه قال في نفسه أتوب الآن وهو موقن من الموت لا يطمع في حياة ، هذا لا توبة له يضمرها ، لأنه غير مستطيع لإظهارها .

قال ابن عمر : التوبة مبسوطة ما لم يُسَق( {[11892]} ) . وعنى بذلك أهل النفاق .

وقال ابن الربيع : نزلت الأولى في المؤمنين يعني قوله : ( اِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ ) ونزلت الثانية –الوسطى- في المنافقين وهي قوله : ( وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ ) ونزلت الآخرة في الكفار يعني قوله : ( وَلاَ الذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ ) لا توبة لهم في الآخرة إذ ليست بدار عمل( {[11893]} ) .

وقيل : هي في أهل الإسلام ، وذكر( {[11894]} ) عن ابن عباس أنها منسوخة( {[11895]} ) بقوله : ( اِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُّشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَّشَاءُ )( {[11896]} ) ، قال : فحرم الله المغفرة على من مات ، وهو كافر ، وإرجاء أهل التوحيد إلى مشيئته ولم يويئسهم من المغفرة( {[11897]} ) . والسيئات هنا : ما دون الكفر .

ومعنى ( أَعْتَدْنَا )( {[11898]} ) –وهو أفعلنا- من العتاد( {[11899]} ) .


[11891]:- الحشرجة كالغرغرة تردد صوت النفس عند الموت. انظر: اللسان 2/237.
[11892]:- يقال رأيت فلاناً يسوق بنفسه أي ينزع نزعاً عند الموت. انظر: اللسان سوق 10/167 وهذا الأثر ذكره في الدر المنثور، ونسبه لعبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي. الدر المنثور 2/131/[المدقق] وانظر: جامع البيان 43/303 والدر المنثور 2/460.
[11893]:- المرجع السابق.
[11894]:- عزاه الطبري إلى سفيان الثوري ورجحه. انظر: جامع البيان 4/304.
[11895]:- في ذلك خلاف، فابن عباس يقول: إنها منسوخة واحتج بالآية ويرى غيره أن الآية محكمة عامة غير منسوخة واحتجوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم، "إن الله يقبل..." فعند ذلك لا تقبل توبته ويكون كالآية، ورد هذا من طرف القائلين بالنسخ بأن الحديث يراد به أهل الكفر دون أهل الذنوب من الموحدين، الإيضاح في الناسخ 181، وناسخ القرآن للبارزي 29، والنسخ في القرآن 1/431.
[11896]:- النساء آية 47 و116.
[11897]:- انظر: جامع البيان 4/304 والدر المنثور 2/461.
[11898]:- (أ): فعلنا.
[11899]:- انظر: مجاز القرآن 1/120.