تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي  
{وَلَيۡسَتِ ٱلتَّوۡبَةُ لِلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ ٱلسَّيِّـَٔاتِ حَتَّىٰٓ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ ٱلۡمَوۡتُ قَالَ إِنِّي تُبۡتُ ٱلۡـَٰٔنَ وَلَا ٱلَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمۡ كُفَّارٌۚ أُوْلَـٰٓئِكَ أَعۡتَدۡنَا لَهُمۡ عَذَابًا أَلِيمٗا} (18)

وقال هنا :

{ وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ } أي : المعاصي فيما دون الكفر . { حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا } وذلك أن التوبة في هذه الحال توبة اضطرار لا تنفع صاحبها ، إنما تنفع توبة الاختيار . ويحتمل{[196]}  أن يكون معنى قوله : { مِنْ قَرِيبٍ } أي : قريب من فعلهم للذنب الموجب للتوبة ، فيكون المعنى : أن من بادر إلى الإقلاع من حين صدور الذنب وأناب إلى الله وندم عليه فإن الله يتوب عليه ، بخلاف من استمر على ذنوبه{[197]}  وأصر على عيوبه ، حتى صارت فيه صفاتٍ راسخةً فإنه يعسر عليه إيجاد التوبة التامة .

والغالب أنه لا يوفق للتوبة ولا ييسر لأسبابها ، كالذي يعمل السوء على علم تام{[198]}  ويقين وتهاون{[199]}  بنظر الله إليه ، فإنه سد{[200]}  على نفسه باب الرحمة .

نعم قد يوفق الله عبده المصر على الذنوب عن عمد ويقين لتوبة{[201]}  تامة{[202]} [ التي ] يمحو بها ما سلف من سيئاته وما تقدم من جناياته ، ولكن الرحمة والتوفيق للأول أقرب ، ولهذا ختم الآية الأولى بقوله : { وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا }

فمِن علمه أنه يعلم صادق التوبة وكاذبها فيجازي كلا منهما بحسب ما يستحق بحكمته ، ومن حكمته أن يوفق من اقتضت حكمته ورحمته توفيقَه للتوبة ، ويخذل من اقتضت حكمته وعدله عدمَ توفيقه . والله أعلم .


[196]:- في هامش أ [ويؤيد هذا الاحتمال أن الله قال: "إنما التوبة على الله" الحاضرة ولم يقل: إنما يتوب الله، وبين اللفظين فرق ظاهر].
[197]:- في ب: ذنبه.
[198]:- في ب: قائم.
[199]:- في ب: متهاون.
[200]:- في ب: يسد.
[201]:- في ب: للتوبة.
[202]:- في ب: النافعة.