قوله تعالى : { إن يمسسكم قرح } . قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر قرح بضم القاف حيث جاء ، وقرأ الآخرون بالفتح وهما لغتان معناهما واحد كالجهد والجهد ، وقال الفراء : بالفتح اسم للجراحة ، وبالضم اسم لألم الجراحة ، هذا خطاب مع المسلمين حيث انصرفوا من أحد مع الكآبة والحزن يقول الله تعالى لهم : ( إن يمسسكم قرح ) . يوم أحد .
قوله تعالى : { فقد مس القوم قرح مثله } . يوم بدر .
قوله تعالى : { وتلك الأيام نداولها بين الناس } . فيوم لهم ويوم عليهم ، أديل المسلمون من المشركين يوم بدر حتى قتلوا منهم سبعين ، وأسروا سبعين ، وأديل المشركون من المسلمين يوم أحد حتى جرحوا منهم سبعين وقتلوا خمساً وسبعين .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل أخبرنا عمرو بن خالد أنا زهير ، أخبرنا أبو إسحاق قال :سمعت البراء بن عازب يحدث قال : جعل النبي صلى الله عليه وسلم على الرجالة يوم أحد ، وكانوا خمسين رجلاً ، عبد الله بن جبير ، فقال : " إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم هذا حتى أرسل إليكم ، وإن رأيتمونا هزمنا القوم وأوطأناهم ، فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم فهزموهم ، قال فأنا والله رأيت النساء يشتددن قد بدت خلاخلهن وأسوقهن رافعات ثيابهن ، فقال أصحاب عبد الله بن جبير الغنيمة ، أي قوم الغنيمة ظهر أصحابكم فما تنتظرون ؟ فقال عبد الله بن جبير أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالوا : والله لنأتين الناس فلنصيبن من الغنيمة ، فلما أتوهم صرفت وجوههم فأقبلوا منهزمين . فذلك قوله ( والرسول يدعوكم في أخراكم ) فلم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم غير اثني عشر رجلاً فأصابوا منا سبعين . وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أصابوا من المشركين يوم بدر مائة وأربعين ، سبعين أسيراً ، وسبعين قتيلاً ، فقال أبو سفيان : أفي القوم محمد ؟ ثلاث مرات ، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يجيبوه ، ثم قال أفي القوم ابن أبي قحافة ؟ ثلاث مرات ، ثم قال : أفي القوم ابن الخطاب ثلاث مرات ، ثم رجع إلى أصحابه فقال : أما هؤلاء فقد قتلوا ، فما ملك عمر نفسه فقال : كذبت والله يا عدو الله ، إن الذين عددت لأحياء كلهم ، وقد بقي لك ما يسوءك ، قال : يوم بيوم بدر ، والحرب سجال ، إنكم ستجدون في القوم مثلهً لم آمر بها ولم تسؤني ، ثم أخذ يرتجز :أعل هبل أعل هبل ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ألا تجيبوه ؟ قالوا : يا رسول ما نقول ؟ قال : قولوا الله أعلى وأجل ، قال : إن لنا العزى ولا عزى لكم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ألا تجيبوه ؟ قالوا : يا رسول الله ما نقول ؟ قال : قولوا الله مولانا ولا مولى لكم . وروي هذا المعنى عن ابن عباس رضي الله عنهما وفي حديثه ، قال أبو سفيان : يوم بيوم وإن الأيام دول والحرب سجال ، فقال عمر رضي الله عنه لا سواء قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار . قال الزجاج : الدولة تكون للمسلمين على الكفار ، لقوله تعالى ( وإن جندنا لهم الغالبون ) . وكانت يوم أحد للكفار على المسلمين لمخالفتهم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قوله تعالى : { وليعلم الله الذين آمنوا } . يعني إنما كانت هذه المداولة ليعلم ، أي ليرى الله الذين آمنوا فيميز المؤمن من المنافق .
{ إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ } أي : إن كنتم قد أصابتكم جراحٌ وقُتل منكم طائفةٌ ، فقد أصاب أعداءكم قريب من ذلك من قتل وجراح { وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ } أي : نُديل عليكم الأعداء تارة ، وإن كانت العاقبة لكم لما لنا في ذلك من الحكم{[5774]} ؛ ولهذا قال تعالى : { وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا } قال ابن عباس : في مثل هذا لنَرَى ، أي : من يَصبر على مناجزة الأعداء { وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ } يعني : يُقْتَلُون في سبيله ، ويَبْذُلون مُهَجهم في مرضاته . { وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ } .
{ إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله } : قرأ حمزة والكسائي وابن عياش عن عاصم بضم القاف ، والباقون بالفتح وهما لغتان كالضعف والضعف . وقيل هو بالفتح الجراح وبالضم ألمها ، والمعنى إن أصابوا منكم يوم أحد فقد أصبتم منهم يوم بدر مثله ، ثم إنهم لم يضعفوا ولم يجبنوا فأنتم أولى بأن لا تضعفوا ، فإنكم ترجون من الله ما لا يرجون . وقيل كلا المسينّ كان يوم أحد فإن المسلمين نالوا منهم قبل أن يخالفوا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم . { وتلك الأيام نداولها بين الناس } نصرفها بينهم تدليل لهؤلاء تارة ولهؤلاء أخرى كقوله :
فيوما علينا ويوما لنا *** ويوم نساء ويوم نسر
والمداولة كالمعاودة يقال داولت الشيء بينهم فتداولوه ، والأيام تحتمل الوصف والخبر ، و{ نداولها } يحتمل الخبر والحال ، والمراد بها : أوقات النصر والغلبة . { وليعلم الله الذين آمنوا } : عطف على علة محذوفة أي نداولها ليكون كيت وكيت ، { وليعلم الله } إيذانا بأن العلة فيه غير واحدة ، وإن ما يصيب المؤمن فيه من المصالح ما لا يعلم ، أو الفعل المعلل به محذوف تقديره : وليتميز الثابتون على الإيمان من الذين على حرف فعلنا ذلك ، والقصد في أمثاله ونقائضه ليس إلى إثبات علمه تعالى ونفيه بل إلى إثبات المعلوم ونفيه على طريق البرهان . وقيل معناه ليعلمهم علما يتعلق به الجزاء وهو العلم بالشيء موجودا . { ويتخذ منكم شهداء } : ويكرم ناسا منكم بالشهادة يريد شهداء أحد ، أو يتخذ منكم شهودا معدلين بما صودف منهم من الثبات والصبر على الشدائد . { والله لا يحب الظالمين } : الذين يضمرون خلاف ما يظهرون ، أو الكافرين وهو اعتراض ، وفيه تنبيه على أنه تعالى لا ينصر الكافرين على الحقيقة وإنما يغلبهم أحيانا استدراجا لهم وابتلاء للمؤمنين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.