الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{إِن يَمۡسَسۡكُمۡ قَرۡحٞ فَقَدۡ مَسَّ ٱلۡقَوۡمَ قَرۡحٞ مِّثۡلُهُۥۚ وَتِلۡكَ ٱلۡأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيۡنَ ٱلنَّاسِ وَلِيَعۡلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمۡ شُهَدَآءَۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (140)

قوله ( إِن يَّمْسَسْكُمْ قَرْحٌ ) الآية [ 140 ] .

هذا تعزية للمسلمين فيما أصابهم من الجراح والقتل يوم أحد وأنهم إن كان( {[10915]} ) أصابهم ذلك فقد أصاب المشركين مثله يوم بدر( {[10916]} ) ، ثم قال : ( وَتِلْكَ الاَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ) أي : إن ظفرتم يوم بدر فكانت لكم دولة ، ثم كانت الدولة للمشركين يوم أحد عليكم بمعصية أمر نبيكم صلى الله عليه وسلم كل ذلك ليبتلي الله المؤمنين ، وليبلغ الكتاب أجله . وروي أن المسلمين قتلوا من المشركين يوم بدر سبعين وأسروا سبعين ، وقتل من المسلمين يوم أحد سبعون ، وكثر الجراح في الباقين حتى شج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكسرت رباعيته والقَرح والقُرح لغتان عند الكسائي والأخفش وقطرب( {[10917]} ) كالضُعف والضَعف( {[10918]} ) .

وقال الفراء : الفتح اسم الجرح ، والضم اسم الألم( {[10919]} ) .

ولم يعرف أبو عمر الضم( {[10920]} ) . وقال يعقوب الحضرمي : المفتوح ما كان بسلاح ، والمضموم الجهاد كذا وقع عنه .

قال ابن عباس : لما كان يوم أحد وأصاب المسلمين ما أصاب صعد النبي صلى الله عليه وسلم الجبل فجاء أبو سفيان فقال يا محمد : الحرب سجال يوم لنا ، ويوم لكم فقال النبي عليه السلام : أجيبوه فقالوا له : لا سواء ، قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار . فقال له أبو سفيان : لنا عزى ولا عزى لكم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم أجيبوه . فقالوا : الله مولانا ولا مولى لكم [ فقال أبو سفيان : أعل هبل أعل هبل ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : قولوا الله أعلى وأجل ]( {[10921]} ) . فقال أبو سفيان : موعدنا ، وموعدكم بدر الصغرى ، فنزلت ( وَتِلْكَ الاَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ )( {[10922]} ) .

قوله : ( وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الذِينَ ) أي : داولها ليعلم الله المؤمنين من المنافقين علم مشاهدة ، وهو عالم بهم قبل أن يخلقهم الله ولكن أراد العلم الذي يقع عليه الجزاء ( وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ) أي : يكرم من أراد بالشهادة .

والشهداء جمع شهيد ، وسمي شهيداً( {[10923]} ) لأنه مشهود له بالجنة .

قال ابن جريج : كان المسلمون يسألون الله أن يريهم مثل يوم بدر ، فيقاتلون ويلتمسون فيه الشهادة ، فابتُلوا بيوم أحد ، فخالف الرماة ، فقتل من المسلمين ، واتخذهم الله شهداء ، فبلغهم( {[10924]} ) أملهم الذي كانوا قد أملوا وسألوا( {[10925]} ) .

وقال ابن عباس : كانوا يسألون الشهادة فقتلوا يوم أحد( {[10926]} ) .

( تم الجزء التاسع )( {[10927]} )


[10915]:- (أ) و(ج): إن كانوا.
[10916]:- انظر: جامع البيان 4/104.
[10917]:- هو أبو يعلى محمد بن المستنير بن أحمد المعروف بقطرب توفي سنة 206 هـ عالم بالنحو واللغة والآداب أخذ عن سيبويه. انظر: طبقات الزبيدي 99 وإنباه الرواة 3/219.
[10918]:- انظر: معاني الأخفش 1/421 ومعاني الزجاج 1/470.
[10919]:- انظر: معاني الفراء 1/234.
[10920]:- في القرح ثلاث قراءات: (أ) القَرح بالفتح قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو، وابن عامر ورواية حفص عن عاصم. (ب) القُرح بالضم قراءة عاصم في رواية أبي بكر، وحمزة، والكسائي وَخْلق. (ج): القَرَح بفتح القاف والراء هي قراءة محمد بن سميفع وأبي السمال وهي قراءة شاذة. انظر: السبعة 216 والمحتسب 1/166 ومختصر الشواذ 22 والكشف 1/356.
[10921]:- ساقط من (ج).
[10922]:- انظر: سيرة ابن هشام 2/93.
[10923]:- (ج): شهيد وهو خطأ.
[10924]:- (ب) (د): وبلغهم.
[10925]:- انظر: جامع البيان 4/107.
[10926]:- انظر: المصدر السابق.
[10927]:- ساقط من (ج).