بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{إِن يَمۡسَسۡكُمۡ قَرۡحٞ فَقَدۡ مَسَّ ٱلۡقَوۡمَ قَرۡحٞ مِّثۡلُهُۥۚ وَتِلۡكَ ٱلۡأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيۡنَ ٱلنَّاسِ وَلِيَعۡلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمۡ شُهَدَآءَۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (140)

{ إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ } قرأ عاصم في رواية أبي بكر والكسائي وحمزة : { قُرْحٌ } بضم القاف والباقون بالنصب . قال الفراء : القَرْح والقُرْح واحد . ويقال : { القَرْح } بالنصب مصدر ، و{ القُرح } بالضم اسم . ويقال : القَرْحُ بالنصب الجراحة ، وبالضم ألم الجراحة . يعني إن أصابكم الجراحات يوم أحد { فَقَدْ مَسَّ القوم قَرْحٌ مّثْلُهُ } يقول : قد أصاب المشركين جراحات مثلها يوم بدر . { وَتِلْكَ الأيام نُدَاوِلُهَا بَيْنَ الناس } يقول : يوم لكم ويوم عليكم ، وهذا كما يقال في الأمثال : الأيام دُوَل والحرب سِجَال .

ثم بَيّن المعنى الذي تداول مرة لهم ومرة عليهم ، فقال تعالى : { وَلِيَعْلَمَ الله الذين آمَنُواْ } يعني يتبين المؤمن من المنافق أنهم يشكون في دينهم أم لا ، لأن المؤمن المخلص يتبين حالُه عند الشدة والبلايا . وهذا كما روي عن لقمان الحكيم أنه قال لابنه : إن الذهب والفضة يختبران بالنار ، والمؤمن يختبر بالبلايا ، والاختبار من الله تعالى إظهار ما علم منه من قبل فذلك قوله تعالى : { وَلِيَعْلَمَ الله الذين آمَنُواْ } يعني ليبين لهم الله الذي يعلم إيمانه ، لأنه يعطى الثواب بما يظهر منه لا بما يعلم منه ، وكذلك العقوبة . أَلاَ ترى أنه عَلِم من إبليس المعصية في المستقبل ثم لم يلعنه ما لم يظهر منه . ثم قال تعالى : { وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء } يعني لكي يتخذ منكم شهداء ، وإنما كان لأجل ذلك لا لأجل حب الكفار { والله لاَ يُحِبُّ الظالمين } أي الجاحدين .