معاني القرآن للفراء - الفراء  
{إِن يَمۡسَسۡكُمۡ قَرۡحٞ فَقَدۡ مَسَّ ٱلۡقَوۡمَ قَرۡحٞ مِّثۡلُهُۥۚ وَتِلۡكَ ٱلۡأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيۡنَ ٱلنَّاسِ وَلِيَعۡلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمۡ شُهَدَآءَۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (140)

وقوله : { إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ . . . }

وقُرْح . وأكثر القرّاء على فتح القاف . وقد قرأ أصحاب عبد الله : قُرْح ، وكأنّ القُرْح ألم الجراحات ، وكأنّ القَرْح الجراح بأعيانها . وهو في ذاته مثل قوله : { أَسْكِنُوهنَّ مِن حَيْثُ سَكَنْتُم مِن وُجْدِكُم } ووَجْدكُم { والّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إلاَّ جُهْدَهُمْ } وجَهْدهم ، و { لاَ يُكَلّفُ اللهُ نَفْساً إِلا وُسْعَها } [ ووَسْعها ] .

وقوله : { وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ } يعلم المؤمن من غيره ، والصابر من غيره . وهذا في مذهب أي ومَنْ ؛ كما قال : { لِنَعْلَمَ أي الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى } فإذا جعلت مكان أي أو مَن الذي أو ألفا ولاما نصبت بما يقع عليه ؛ كما قال الله تبارك : { فَلَيَعْلَمَنّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنّ الكّاذِبِين } وجاز ذلك لأن في " الذي " وفي الألف واللام تأويل مَنْ وأيّ ؛ إذ كانا في معنى انفصال من الفعل .

فإذا وضعت مكانهما اسما لا فعل فيه لم يحتمل هذا المعنى . فلا يجوز أن تقول : قد سألت فعلمت عبد الله ، إلا أن تريد علمت ما هو . ولو جعلت مع عبد الله اسما فيه دلالة على أي جاز ذلك ؛ كقولك : إنما سألت لأعلم عبد الله مِن زيد ، أي لأعرِف ذا مِن ذا . وقول الله تبارك وتعالى : { لم تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ } يكون : لم تعلموا مكانهم ، ويكون لم تعلموا ما هم أكفار أم مسلمون . والله أعلم بتأويله .