معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٖ ثُمَّ مِن نُّطۡفَةٖ ثُمَّ جَعَلَكُمۡ أَزۡوَٰجٗاۚ وَمَا تَحۡمِلُ مِنۡ أُنثَىٰ وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلۡمِهِۦۚ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٖ وَلَا يُنقَصُ مِنۡ عُمُرِهِۦٓ إِلَّا فِي كِتَٰبٍۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٞ} (11)

قوله عز وجل :{ والله خلقكم من تراب } أي : آدم ، { ثم من نطفة } يعني : نسله ، { ثم جعلكم أزواجاً } ذكراناً وإناثاً ، { وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه وما يعمر من معمر } لا يطول عمره ، { ولا ينقص من عمره } يعني : من عمر آخر ، كما يقال لفلان عندي درهم ونصفه أي : نصف درهم آخر ، { إلا في كتاب } وقيل : قوله : { ولا ينقص من عمره } ينصرف إلى الأول ، قال سعيد بن جبير : مكتوب في أم الكتاب عمر فلان كذا وكذا سنة ثم يكتب أسفل من ذلك ذهب يوم ذهب يومان ذهب ثلاثة أيام حتى ينقطع عمره . وقال كعب الأحبار حين حضر عمر رضي الله عنه الوفاة : والله لو دعا عمر ربه أن يؤخر أجله لأخر ، فقيل له إن الله عز وجل يقول : { فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون } فقال : هذا إذا حضر الأجل فأما قبل ذلك فيجوز أن يزاد وينقص ، وقرأ هذه الآية { إن ذلك على الله يسير } أي : كتابة الأجل والأعمال على الله هين .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٖ ثُمَّ مِن نُّطۡفَةٖ ثُمَّ جَعَلَكُمۡ أَزۡوَٰجٗاۚ وَمَا تَحۡمِلُ مِنۡ أُنثَىٰ وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلۡمِهِۦۚ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٖ وَلَا يُنقَصُ مِنۡ عُمُرِهِۦٓ إِلَّا فِي كِتَٰبٍۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٞ} (11)

وقوله : { وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ } أي : ابتدأ خلق أبيكم آدم من تراب ، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ، { ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا } أي : ذكرًا وأنثى ، لطفًا منه ورحمة أن جعل لكم أزواجًا من جنسكم ، لتسكنوا إليها .

وقوله : { وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلا بِعِلْمِهِ } أي : هو عالم بذلك ، لا يخفى عليه من ذلك شيء ، بل { مَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } [ الأنعام : 59 ] . وقد تقدم الكلام على قوله تعالى : { اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الأرْحَامُ [ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ . عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ ] الْمُتَعَالِ } [ الرعد : 8 ، 9 ] . {[24490]}

وقوله : { وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلا فِي كِتَابٍ } أي : ما يعطى بعض النطف من العمر الطويل يعلمه ، وهو عنده في الكتاب الأول ، { وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ } الضمير عائد على الجنس ، لا على العين ؛ لأن العين الطويل للعمر في الكتاب وفي علم الله لا ينقص من عمره ، وإنما عاد الضمير على الجنس .

قال ابن جرير : وهذا كقولهم : " عندي ثوب ونصفه " أي : ونصف آخر .

وروي من طريق العوفي ، عن ابن عباس في قوله : { وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ } ، يقول : ليس أحد قضيت له طول عُمُر{[24491]} وحياة إلا وهو بالغ ما قدرت له من العمر وقد قضيت ذلك له ، فإنما ينتهي إلى الكتاب الذي قدرت لا يزاد عليه ، وليس أحد قَضَيْتُ له أنه قصير العمر والحياة ببالغ للعمر ، ولكن ينتهي إلى الكتاب الذي كتبت له ، فذلك قوله : { وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ } ، يقول : كل ذلك في كتاب عنده .

وهكذا قال الضحاك بن مزاحم .

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، عن أبيه : { وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلا فِي كِتَابٍ } قال : ما لَفَظت الأرحام من الأولاد من غير تمام .

وقال عبد الرحمن في تفسيرها : ألا ترى الناس ، يعيش الإنسان مائة سنة ، وآخر يموت حين يولد فهذا هذا .

وقال قتادة : والذي ينقص من عمره : فالذي يموت قبل ستين سنة .

وقال مجاهد : { وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلا فِي كِتَابٍ } أي : في بطن أمه يكتب له ذلك ، لم يخلق الخلق على عمر واحد ، بل لهذا عمر ، ولهذا عمر هو أنقص من عمره ، وكل ذلك مكتوب لصاحبه ، بالغ ما بلغ .

وقال بعضهم : بل معناه : { وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ } أي : ما يكتب من الأجل { وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ } ، وهو ذهابه قليلا قليلا الجميع معلوم عند الله سنة بعد سنة ، وشهرًا بعد شهر ، وجمعة بعد جمعة ، ويومًا بعد يوم ، وساعة بعد ساعة ، الجميع مكتوب عند الله في كتاب .

نقله{[24492]} ابن جرير عن أبي مالك ، وإليه ذهب السُّدِّيّ ، وعطاء الخراساني . واختار ابن جرير [ القول ]{[24493]} الأول ، وهو كما قال .

وقال النسائي عند تفسير هذه الآية الكريمة : حدثنا أحمد بن يحيى بن أبي زيد بن سليمان ، سمعت ابن وهب يقول : حدثني يونس ، عن ابن شهاب ، عن أنس بن مالك ، رضي الله عنه ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " مَنْ سرَّه أن يُبْسَط له في رزقه ، ويُنْسَأ له في أجله{[24494]} فليصل رَحِمَه " .

وقد رواه البخاري ومسلم وأبو داود ، من حديث يونس بن يزيد الأيلي ، به{[24495]} .

وقال{[24496]} ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا الوليد بن عبد الملك بن عبيد الله أبو مسرح ، حدثنا عثمان بن عطاء ، عن مسلمة{[24497]} بن عبد الله ، عن عمه أبي مَشْجَعَة بن ربعي ، عن أبي الدرداء ، رضي الله عنه ، قال : ذكرنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " إن الله لا يؤخر نفسًا إذا جاء أجلها ، وإنما زيادة العمر بالذرية الصالحة يرزقها العبد ، فيدعون له من بعده ، فيلحقه دعاؤهم في قبره ، فذلك زيادة العمر " .

وقوله : { إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ } أي : سهل عليه ، يسير لديه علمه بذلك وبتفصيله في جميع مخلوقاته ، فإن علمه شامل لجميع ذلك لا يخفى منه عليه شيء .


[24490]:- زيادة من ت، س، أ، وفي هـ : "إلى قوله".
[24491]:- في ت، س : "العمر".
[24492]:- في أ : "رواه".
[24493]:- زيادة من ت، أ.
[24494]:- في ت، س، أ : "أثره".
[24495]:- النسائي في السنن الكبرى برقم (11429) وصحيح البخاري برقم (2067) وصحيح مسلم برقم (2557) وسنن أبي داود برقم (1693).
[24496]:- في ت : "وروى".
[24497]:- (6) في أ : "سلمة".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٖ ثُمَّ مِن نُّطۡفَةٖ ثُمَّ جَعَلَكُمۡ أَزۡوَٰجٗاۚ وَمَا تَحۡمِلُ مِنۡ أُنثَىٰ وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلۡمِهِۦۚ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٖ وَلَا يُنقَصُ مِنۡ عُمُرِهِۦٓ إِلَّا فِي كِتَٰبٍۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٞ} (11)

{ والله خلقكم من تراب } بخلق آدم عليه السلام منه . { ثم من نطفة } بخلق ذريته منها . { ثم جعلكم أزواجا } ذكرانا وإناثا . { وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه } إلا معلومة له . { وما يعمر من معمر } وما يمد في عمر من مصيره إلى الكبر . { ولا ينقص من عمره } من عمر المعمر لغيره بأن يعطى له عمر ناقص من عمره ، أو لا ينقص من عمره المنقوص عمره بجعله ناقصا ، والضمير له وإن لم يذكر لدلالة مقابلة عليه أو للعمر على التسامح فيه ثقة بفهم السامع كقولهم : لا يثيب الله عبدا ولا يعاقبه إلا بحق . وقيل الزيادة والنقصان في عمر واحد باعتبار أسباب مختلفة أثبتت في اللوح مثل : أن يكون فيه إن حج عمرو فعمره ستون سنة وألا فأربعون . وقيل المراد بالنقصان ما يمر من عمره وينقضي فإنه يكتب في صحيفة عمره يوما فيوما ، وعن يعقوب " ولا ينقص " على البناء للفاعل . { إلا في كتاب } هو علم الله تعالى أو اللوح المحفوظ أو الصحيفة . { إن ذلك على الله يسير } إشارة إلى الحفظ أو الزيادة أو النقص .