مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{وَٱللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٖ ثُمَّ مِن نُّطۡفَةٖ ثُمَّ جَعَلَكُمۡ أَزۡوَٰجٗاۚ وَمَا تَحۡمِلُ مِنۡ أُنثَىٰ وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلۡمِهِۦۚ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٖ وَلَا يُنقَصُ مِنۡ عُمُرِهِۦٓ إِلَّا فِي كِتَٰبٍۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٞ} (11)

{ والله خَلَقَكُمْ } أي أباكم { مّن تُرَابٍ ثُمَّ } أنشأكم { مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أزواجا } أصنافاً أو ذكراناً وإناثاً { وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أنثى وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ } هو في موضع الحال أي معلومة له { وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ } أي وما يعمر من أحد .

وإنما سماه معمراً بما هو صائر إليه { وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِى كتاب } يعني اللوح أو صحيفة الإنسان ولا ينقص زيد . فإن قلت : الإنسان إما معمر أي طويل العمر أو منقوص العمر أي قصيره ، فأما أن يتعاقب عليه التعمير وخلافه فمحال فكيف صح قوله { وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ } قلت : هذا من الكلام المتسامح فيه ثقة في تأويله بأفهام السامعين واتكالاً على تسديدهم معناه بعقولهم وأنه لا يلتبس عليهم إحالة الطول والقصر في عمر واحد وعليه كلام الناس يقولون : لا يثيب الله عبداً ولا يعاقبه إلا بحق . أو تأويل الآية أنه يكتب في الصحيفة عمره كذا كذا سنة ثم يكتب في أسفل ذلك ذهب يوم ذهب يومان حتى يأتي على آخره فذلك نقصان عمره . وعن قتادة : المعمر من يبلغ ستين سنة والمنقوص من عمره من يموت قبل ستين سنة { إِنَّ ذلك } أي إحصاءه أو زيادة العمر ونقصانه { عَلَى الله يَسِيرٌ } سهل .