تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَٱللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٖ ثُمَّ مِن نُّطۡفَةٖ ثُمَّ جَعَلَكُمۡ أَزۡوَٰجٗاۚ وَمَا تَحۡمِلُ مِنۡ أُنثَىٰ وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلۡمِهِۦۚ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٖ وَلَا يُنقَصُ مِنۡ عُمُرِهِۦٓ إِلَّا فِي كِتَٰبٍۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٞ} (11)

الآية 11 وقوله تعالى : { والله خلقكم من تراب } خلقكم أي قدّركم مع كثرتكم من أول أمركم إلى آخر ما تنتهون إليه من التراب الذي خلق آدم منه ، إذ الخلق في اللغة التقدير .

وقوله تعالى : { ثم من نطفة } أي قدّركم أيضا مع كثرتكم وعِظمكم من تلك النطفة [ يخبر عن علمه وتدبيره في تقديره إيانا مع كثرتنا من ذلك التراب ومن تلك النطفة ]{[17178]} وإن لم نكن على ما نحن عليه من ذلك التراب والنطفة ، لا يعجزه شيء .

[ ويحتمل ]{[17179]} أن تكون إضافته إيانا إلى ذلك التراب والماء ، وإن كان ذلك أصلنا ومبادئ أمورنا ، وكان المقصود بخلق ذلك التراب والماء أصل{[17180]} هذا الخلق ، هو{[17181]} العاقبة .

وقد تُذكر ، وتضاف العواقب إلى المبادئ ، وتنسب إليها ، إذا كان المقصود من المبادئ العواقب . وله نظائر ووجوه{[17182]} كثيرة ، وقد ذكرنا في غير موضع .

وقوله تعالى : { ثم جعلكم أزواجا } أ ]ي خلقكم من ذلك ذكرا أو أنثى ، ليسكُن بعضكم{[17183]} إلى بعض ، أو جعلكم أزواجا أصنافا . وفي حرف ابن مسعود : والله خلقكم من نفس واحدة ، ثم جعلكم أزواجا ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعِلمه } يقول ، والله أعلم : ما تحمل من أنثى من أول ما تحمل إلى آخر ما تنتهون إليه إلا بعلمه السابق . وكذلك لا تضع كل حامل من أول ما تضع إلى آخر ما تنتهون إليه إلا بعلمه السابق أنها تحمل كذا في وقت كذا من كذا وأنها تضع كذا في وقت كذا . يخبر عن علمه السابق من أول منشئهم إلى آخر ما يكونون ، وينتهون إليه أنه كله بذلك التقدير الذي كان منه ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { وما يُعمَّر من مُعمَّر ولا يُنقَص من عمره إلا في كتاب } قال بعضهم : قوله : { وما يُعمّر من معمّر } أي ما يطول من عمر ، وإن طال { ولا ينقص من عمره } أي ما نُقص ، وقصّر من ذلك /440- أ/ ولا{[17184]} يطوّل إلا في كتاب ، أي إلا كان ذلك كله في الكتاب مبيّنا هكذا مطوّلا .

وقال بعضهم : { وما يعمّر من معمّر } أي من كثر عمره ، وطال ، أو قلّ عمره ، فهو إلى أجله الذي كُتب له .

ثم قال : { ولا يُنقص من عمره } كل يوم وكل ساعة حتى ينتهي إلى آخر أجله { إلا في كتاب } في اللوح المحفوظ مكتوب قبل أن يخلقه { إن ذلك على الله يسير } . قال صاحب هذا [ القول ]{[17185]} إن كتاب الآجال حين كتبه الله في اللوح المحفوظ على الله هيّن .

وقال آخر قريبا من هذا في قوله : { ولا يُنقص من عمره } في جري الليل والنهار والساعات { إلا في كتاب } وذلك أن الله تعالى كتب لكل نسمة عمرا تنتهي إليه . فإذا أجرى عليها الليل والنهار أنقص ذلك عمرها ، حتى [ يبلغ ]{[17186]} ذلك أجلها . فمن قُضي له أن يعمّر حتى يدركه الكبر ، أو عمّر دون ذلك ، فهو بالغ ذلك الأجل الذي [ قُضي له ، وكان ذلك ]{[17187]} في كتاب ينتهون إليه .

[ وقوله تعالى ]{[17188]} : { إن ذلك على الله يسير } يقول قائل : إن حفظ ذلك على الله بغير كتاب يسير هيّن .

وجائز أن يكون قوله : { إن ذلك على الله يسير } أي إن علم ما ذكر وتقديره من أول ما أنشأهم وتغيير أحوالهم إلى آخر ما يكونون ، وينتهون إليه ، يسير ، أي لا يخفى عليه [ شيء ]{[17189]} .


[17178]:من م، ساقطة من الأصل.
[17179]:في الأصل وم: أو.
[17180]:في الأصل وم: والأصل.
[17181]:في الأصل وم: وهو.
[17182]:في الأصل وم: جهة.
[17183]:في الأصل وم: بعضه.
[17184]:من م، في الأصل: ومن.
[17185]:ساقطة من الأصل وم.
[17186]:من م، ساقطة من الأصل.
[17187]:من م، ساقطة من الأصل.
[17188]:ساقطة من الأصل وم.
[17189]:ساقطة من الأصل وم.