البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَٱللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٖ ثُمَّ مِن نُّطۡفَةٖ ثُمَّ جَعَلَكُمۡ أَزۡوَٰجٗاۚ وَمَا تَحۡمِلُ مِنۡ أُنثَىٰ وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلۡمِهِۦۚ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٖ وَلَا يُنقَصُ مِنۡ عُمُرِهِۦٓ إِلَّا فِي كِتَٰبٍۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٞ} (11)

{ والله خقلكم من تراب } : من حيث خلق أبينا آدم .

{ ثم من نطفة } : أي بالتناسل .

{ ثم جعلكم أزواجاً } : أي أصنافاً ذكراناً واناثاً ، كما قال : { أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً } وقال قتادة : قدّر بينكم الزوجية ، وزوّج بعضكم بعضاً ، ومن في { من معمر } زائدة ، وسماه بما يؤول إليه ، وهو الطويل العمر .

والظاهر أن الضمير في { من عمره } عائد على معمر لفظاً ومعنى .

وقال ابن عباس وغيره : يعود على معمر الذي هو اسم جنس ، والمراد غير الذي يعمر ، فالقول تضمن شخصين : يعمر أحدهما مائة سنة ، وينقص من الآخر .

وقال ابن عباس أيضاً ، وابن جبير ، وأبو مالك : المراد شخص واحد ، أي يحصي ما مضى منه إذ مر حول كتب ذلك ثم حول ، فهذا هو النقص ، وقال الشاعر :

حياتك أنفاس تعدّ فكلما *** مضى نفس منك انتقصت به جزءا

وقال كعب الاحبار : معنى { ولا ينقص من عمره } : لا يخترم بسببه قدره الله ، ولو شاء لأخر ذلك السبب .

وروي أنه قال ، لما طعن عمر رضي الله عنه : لو دعا الله لزاد في أجله ، فأنكر المسامون عليه ذلك وقالوا : إن الله تعالى يقول : { فإذا جاء أجهلم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون } فاحتج بهذه الآية .

قال ابن عطية : وهو قول ضعيف مردود يقتضي القول بالأجلين ، وبنحوه تمسك المعتزلة .

وقرأ الجمهور : ولا ينقص ، مبنياً للمفعول .

وقرأ يعقوب ، وسلام ، وعبد الوارث ، وهارون ، كلاهما عن أبي عمرو : و لا ينقص ، مبنياً للفاعل .

وقرأ الحسن : { من عمر إلا في كتاب } .

قال ابن عباس : هو اللوح المحفوظ .

وقال الزمخشري : يجوز أن يراد كتاب الله علم الله ، أو صحيفة الإنسان . انتهى .