معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُۥ نَاجٖ مِّنۡهُمَا ٱذۡكُرۡنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَىٰهُ ٱلشَّيۡطَٰنُ ذِكۡرَ رَبِّهِۦ فَلَبِثَ فِي ٱلسِّجۡنِ بِضۡعَ سِنِينَ} (42)

قوله تعالى : { وقال } ، يعني : يوسف عند ذلك ، { للذي ظن } ، علم { أنه ناج منهما } ، وهو الساقي ، { اذكرني عند ربك } ، يعني : سيدك الملك ، وقل له : إن في السجن غلاما محبوسا ظلما طال حبسه ، { فأنساه الشيطان ذكر ربه } ، قيل : أنسى الشيطان الساقي ذكر يوسف للملك ، تقديره : فأنساه الشيطان ذكره لربه . قال ابن عباس وعليه الأكثرون : أنسى الشيطان يوسف ذكر ربه حين ابتغى الفرج ، من غيره واستعان بمخلوق ، وتلك غفلة عرضت ليوسف من الشيطان { فلبث } ، فمكث ، { في السجن بضع سنين } ، واختلفوا في معنى البضع ، فقال مجاهد : ما بين الثلاث إلى السبع . وقال قتادة : ما بين الثلاث إلى التسع . وقال ابن عباس : ما دون العشرة . وأكثر المفسرين على أن البضع في هذه الآية سبع سنين ، وكان قد لبث قبله خمس سنين فجملته اثنتا عشرة سنة . قال وهب : أصاب أيوب البلاء سبع سنين ، وترك يوسف في السجن سبع سنين ، وعذب بختنصر فحول في السباع سبع سنين . قال مالك بن دينار : لما قال يوسف للساقي اذكرني عند ربك ، قيل له : يا يوسف اتخذت من دوني وكيلا ؟ لأطيلن حبسك ، فبكى يوسف ، وقال : يا رب أنسى قلبي كثرة البلوى فقلت كلمة ولن أعود . وقال الحسن : دخل جبريل على يوسف في السجن ، فلما رآه يوسف عرفه فقال له : يا أخا المنذرين مالي أراك بين الخاطئين ؟ فقال له جبريل : يا طاهر الطاهرين يقرأ عليك السلام رب العالمين ، ويقول لك : أما استحييت مني أن استشفعت بالآدميين ، فوعزتي لألبثنك في السجن بضع سنين ، فقال يوسف : وهو في ذلك عني راض ؟ قال : نعم ، قال : إذا لا أبالي . وقال كعب : قال جبريل ليوسف إن الله تعالى يقول من خلقك ؟ قال : الله ، قال : فمن حببك إلى أبيك ، قال : الله ، قال : فمن نجاك من كرب البئر ؟ قال : الله ، قال : فمن علمك تأويل الرؤيا ؟ قال : الله ، قال : فمن صرف عنك السوء والفحشاء ؟ قال : الله ، قال : فكيف استشفعت بآدمي مثلك ؟ .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُۥ نَاجٖ مِّنۡهُمَا ٱذۡكُرۡنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَىٰهُ ٱلشَّيۡطَٰنُ ذِكۡرَ رَبِّهِۦ فَلَبِثَ فِي ٱلسِّجۡنِ بِضۡعَ سِنِينَ} (42)

لما ظن{[15186]} يوسف ، عليه السلام ، نجاة أحِدهما - وهو الساقي - قال له يوسف خفية عن الآخر والله أعلم ، لئلا يشعره أنه المصلوب قال له : { اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ } يقول : اذكر قصتي عند ربك{[15187]} - وهو الملك - فنسى ذلك الموصَى أن يُذَكِّر مولاه بذلك ، وكان من جملة مكايد الشيطان ، لئلا يطلع نبي الله من السجن .

هذا هو الصواب أن الضمير في قوله : { فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ } عائد على الناجي ، كما قال مجاهد ، ومحمد بن إسحاق وغير واحد . ويقال : إن الضمير عائد على يوسف ، عليه السلام ، رواه ابن جرير ، عن ابن عباس ، ومجاهد أيضا ، وعِكْرِمة ، وغيرهم . وأسند ابن جرير هاهنا حديثا فقال :

حدثنا ابن وَكِيع ، حدثنا عَمْرو بن محمد ، عن إبراهيم بن يزيد{[15188]} عن عمرو بن دينار ، عن عِكْرِمة ، عن ابن عباس قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لو لم يقل - يعني : يوسف - الكلمة التي قال : ما لبث في السجن طول ما لبث . حيث يبتغي الفرج من عند غير الله " {[15189]} .

وهذا الحديث ضعيف جدا ؛ لأن سفيان بن وَكِيع ضعيف ، وإبراهيم بن يزيد - هو الخُوزي - أضعف منه أيضا . وقد رُوي عن الحسن وقتادة مرسلا عن كل منهما ، وهذه المرسَلات هاهنا لا تقبل لو قبل المرسل من حيث هو في غير هذا الموطن ، والله أعلم .

وأما " البضع " ، فقال مجاهد وقتادة : هو ما بين الثلاث إلى التسع . وقال وهب بن مُنَبَّه : مكث أيوب في البلاء سبعًا ويوسف في السجن سبعًا ، وعذاب{[15190]} بختنصر سبعا .

وقال الضحاك ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما : فلبث في السجن بضع سنين قال : ثنتا{[15191]} عشرة سنة . وقال الضحاك : أربع عشرة سنة .


[15186]:- في ت ، أ : "علم".
[15187]:- في ت ، أ : "الملك".
[15188]:- في ت : "عن يزيد".
[15189]:- تفسير الطبري (16/112).
[15190]:- في ت ، أ : "وعذب".
[15191]:- في ت ، أ : "ثنتى".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُۥ نَاجٖ مِّنۡهُمَا ٱذۡكُرۡنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَىٰهُ ٱلشَّيۡطَٰنُ ذِكۡرَ رَبِّهِۦ فَلَبِثَ فِي ٱلسِّجۡنِ بِضۡعَ سِنِينَ} (42)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَقَالَ لِلّذِي ظَنّ أَنّهُ نَاجٍ مّنْهُمَا اذْكُرْنِي عِندَ رَبّكَ فَأَنْسَاهُ الشّيْطَانُ ذِكْرَ رَبّهِ فَلَبِثَ فِي السّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ } .

يقول تعالى ذكره : قال يوسف للذي علم أنه ناج من صاحبيه اللذين استعبراه الرؤيا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبّكَ يقول : اذكرني عند سيدك ، وأخبره بمظلمتي وأني محبوس بغير جرم . كما :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : قال ، يعني لنبو : اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبّكَ : أي اذكر للملك الأعظم مظلمتي وحبسي في غير شيء . قال : أفعل .

حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبّكَ قال للذي نجا من صاحبي السجن ، يوسف يقول : اذكرني عند الملك .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، بنحوه .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يحيى بن يمان ، عن سفيان ، عن جابر ، عن أسباط : وَقالَ للّذِي ظَنّ أنّهُ ناجٍ مِنْهُما اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبّكَ قال : عند ملك الأرض .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبّكَ يعني بذلك الملك .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وَقالَ للّذِي ظَنّ أنّهُ ناجٍ مِنْهُما اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبّكَ الذي نجا من صاحبي السجن للملك ، يقول يوسف : اذكرني .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا العوّام بن حوشب ، عن إبراهيم التّيمي : أنه لما انتهى به إلى باب السجن قال له صاحب له . حاجَتَك أوصني بحاجتك قال : حاجتي أن تذكرني عند ربك . ينوي الربّ ملك يوسف .

وكان قتادة يوجه معنى الظنّ في هذا الموضع إلى الظنّ الذي هو خلاف اليقين .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : وَقالَ للّذِي ظَنّ أنّهُ ناجٍ مِنْهُما اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبّكَ وإنما عبارة الرؤيا بالظنّ ، فيُحقّ الله ما يشاء ويبطل ما يشاء .

وهذا الذي قاله قتادة من أن عِبارة الرؤيا ظنّ ، فإن ذلك كذلك من غير الأنبياء . فأما الأنبياء فغير جائز منها أن تخبر بخبر عن أمر أنه كائن ثم لا يكون ، أو أنه غير كائن ثم يكون مع شهادتها على حقيقة ما أخبرت عنه أنه كائن أو غير كائن لأن ذلك لو جاز عليها في أخبارها لم يؤمن مثل ذلك في كلّ أخبارها ، وإذا لم يؤمن ذلك في أخبارها سقطت حجتها على من أرسلت إليه . فإذا كان ذلك كذلك كان غير جائز عليها أن تخبر بخبر إلا وهو حقّ وصدق . فمعلوم إذ كان الأمر على ما وصفت أن يوسف لم يقطع الشهادة على ما أخبر الفتيين اللذين استعبراه أنه كائن ، فيقول لأحدهما : أمّا أحَدُكمَا فَيَسْقِي رَبّهُ خَمْرا وأمّا الاَخَرُ فيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطّيْرُ مِنْ رأسِهِ ثم يؤكد ذلك بقوله : قُضِيَ الأمْرُ الّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ عند قولهما : لم نر شيئا ، إلا وهو على يقين أن ما أخبرهما بحدوثه وكونه أنه كائن لا محالة لا شكّ فيه ، وليقينه بكون ذلك قال للناجي منهما : اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبّكَ . فبّينٌ إذن بذلك فساد القول الذي قاله قتادة في معنى قوله : وَقالَ للّذِي ظَنّ أنّهُ ناجٍ مِنْهُما ، وقوله : فَأنْساهُ الشّيْطانُ ذِكْرَ رَبّهِ وهذا خبر من الله جلّ ثناؤه عن غفلة عرضت ليوسف من قِبَل الشيطان نسي لها ذكر ربه الذي لو به استغاث لأسرع بما هو فيه خلاصة ، ولكنه زلّ بها ، فأطال من أجلها في السجن حَبسه وأوجع لها عقوبته . كما :

حدثني الحارث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا جعفر بن سليمان الضّبَعِيّ ، عن بِسطام بن مسلم ، عن مالك بن دينار ، قال : لما قال يوسف للساقي : اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبّكَ قال : قيل : يا يوسف اتخذتَ من دوني وكيلاً ؟ لأطيلنّ حبسك فبكى يوسف وقال : يا ربّ أَنْسَى قلبي كثرةُ البلوى ، فقلت كلمةً ، فويلٌ لإخوتي .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لَوْلا أنّهُ » يعني يوسف «قالَ الكَلِمَةَ التي قالَ ما لَبِثَ فِي السّجْنِ طُولَ ما لَبِثَ » .

حدثني يعقوب بن إبراهيم وابن وكيع ، قالا : حدثنا ابن علية ، قال : حدثنا يونس ، عن الحسن ، قال : قال نبيّ الله صلى الله عليه وسلم : «رَحِمَ اللّهُ يُوسُفَ لَوْلا كَلِمَتُهُ ما لَبِثَ فِي السّجْنِ طُولَ ما لَبِثَ » ، يعني قوله : اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبّكَ . قال : ثم يبكي الحسن فيقول : نحن إذا نزل بنا أمر فزعنا إلى الناس .

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن ، في قوله : وَقالَ للّذِي ظَنّ أنّهُ ناجٍ مِنْهُما اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبّكَ قال : ذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم قال : «لَوْلا كَلِمَةُ يُوسُفَ ما لَبِثَ فِي السّجْنِ طُولَ ما لَبِثَ » .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو بن محمد ، عن إبراهيم بن يزيد ، عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : قال النبيّ صلى الله عليه وسلم : «لَوْ لَمْ يَقُلْ يُوسُفُ » يعني الكلمة التي قال «ما لَبِثَ فِي السّجْنِ طُولَ مَا لَبِثَ » يعني حيث يبتغي الفرج من عند غير الله .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : بلغني أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «لَوْ لَمْ يَسْتَعِنْ يُوسُفُ على رَبّهِ ما لَبِثَ فِي السّجْنِ طُولَ ما لَبِثَ » .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : ذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : «لَوْلا أنّ يُوسُفَ اسْتَشْفَعَ على رَبّهِ ما لَبِثَ في السّجْنِ طُولَ ما لَبِثَ ، وَلكِنْ إنّمَا عُوقِبَ باسْتِشْفاعِهِ على رَبّهِ » .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : قال له : اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبّكَ قال : فلم يذكره حتى رأى الملك الرؤيا وذلك أن يوسف أنساه الشيطان ذكر ربه ، وأمره بذكر الملك وابتغاء الفرج من عنده . فَلَبِثَ فِي السّجْنِ بِضْعَ سِنينَ بقوله : اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبّكَ .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، بنحوه ، غير أنه قال : فَلَبِثَ فِي السّجْنِ بِضْعَ سِنينَ عقوبة لقوله : اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبّكَ .

قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثل حديث محمد بن عمرو سواء .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثل حديث المثنى ، عن أبي حذيفة .

وكان محمد بن إسحاق يقول : إنما أنسى الشيطان الساقي ذكر أمر يوسف لملكهم .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : لما خرج ، يعني الذي ظنّ أنه ناج منهما ، ردّ على ما كان عليه ، ورضي عنه صاحبه . فأنساه الشيطان ذكر ذلك للملك الذي أمره يوسف أن يذكره ، فلبث يوسف بعد ذلك في السجن بضع سنين . يقول جلّ ثناؤه : فلبث يوسف في السجن لقيله للناجي من صاحبي السجن من القيل : اذكرني عند سيدك بضع سنين ، عقوبة له من الله بذلك .

واختلف أهل التأويل في قدر البِضْع الذي لبث يوسف في السجن ، فقال بعضهم : هو سبع سنين . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا محمد أبو عَثْمة ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : لبث يوسف في السجن سبع سنين .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : فَلَبِثَ فِي السّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ قال : سبع سنين .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا عمران أبو الهذيل الصّنْعاني ، قال : سمعت وهْبا يقول : أصاب أيوب البلاء سبع سنين ، وترك في السجن يوسف سبع سنين ، وعذب بختنصر يجول في السباع سبع سنين .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : زعموا أنها ، يعني البضع : سبع سنين ، كما لبث يوسف .

وقال آخرون : البضع : ما بين الثلاث إلى التسع . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا سليمان ، قال : حدثنا أبو هلال ، قال : سمعت قتادة يقول : البضع : ما بين الثلاث إلى التسع .

حدثنا وكيع ، قال : حدثنا يحيى بن آدم ، عن إسرائيل ، عن منصور ، عن مجاهد : بِضْعَ سِنِينَ قال : ما بين الثلاث إلى التسع .

وقال آخرون : بل هو ما دون العشر . ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : قال ابن جريج ، قال ابن عباس : بِضْعَ سنينَ دون العشرة .

وزعم الفرّاء أن البِضْع لا يذكر إلا مع عشر ، ومع العشرين إلى التسعين ، وهو نيف ما بين الثلاثة إلى التسعة . وقال : كذلك رأيت العرب تفعل ولا يقولون بضع ومئة ، ولا بضع وألف ، وإذا كانت للذكران قيل : بضع .

والصواب في البضع من الثلاث إلى التسع إلى العشر ، ولا يكون دون الثلاث ، وكذلك ما زاد على العقد إلى المئة ، وما زاد على المئة فلا يكون فيه بضع .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُۥ نَاجٖ مِّنۡهُمَا ٱذۡكُرۡنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَىٰهُ ٱلشَّيۡطَٰنُ ذِكۡرَ رَبِّهِۦ فَلَبِثَ فِي ٱلسِّجۡنِ بِضۡعَ سِنِينَ} (42)

وقوله : { وقال للذي ظن أنه ناج } الآية . «الظن » هاهنا - بمعنى اليقين ، لأن ما تقدم من قوله : { قضي الأمر } يلزم ذلك ، وهو يقين فيما لم يخرج بعد إلى الوجود : وقال قتادة : «الظن » - هنا - على بابه لأن عبارة الرؤيا ظن .

قال القاضي أبو محمد : وقول يوسف عليه السلام : { قضي الأمر } دل على وحي ولا يترتب قول قتادة إلا بأن يكون معنى قوله { قضي الأمر } أي قضي كلامي وقلت ما عندي وتم ، والله أعلم بما يكون بعد .

وفي الآية تأويل آخر ، وهو : أن يكون { ظن } مسنداً إلى الذي قيل له : إنه يسقي ربه خمراً ، لأنه دخلته أبهة السرور بما بشر به وصار في رتبة من يؤمل حين ظن وغلب على معتقده أنه ناج : وذلك بخلاف ما نزل بالآخر المعرف بالصلب .

ومعنى الآية : قال يوسف لساقي الملك حين علم أنه سيعود إلى حالته الأولى مع الملك : { اذكرني } عند الملك ، فيحتمل أن يريد أن يذكره بعلمه ومكانته ، ويحتمل أن يذكره بمظلمته وما امتحن به بغير حق ، أو يذكره بهما .

والضمير في { أنساه } قيل : هو عائد على يوسف عليه السلام{[6690]} ، أي نسي في ذلك الوقت أن يشتكي إلى الله ، وجنح إلى الاعتصام بمخلوق ، فروي أن جبريل عليه السلام جاءه فعاتبه عن الله عز وجل في ذلك ، وطول سجنه عقوبة على ذلك ، وقيل : أوحي إليه : يا يوسف اتخذت من دوني وكيلاً لأطيلن حبسك ، وقيل : إن الضمير في { أنساه } عائد على الساقي - قاله ابن إسحاق - أي نسي ذكر يوسف عند ربه ، فأضاف الذكر إلى ربه إذ هو عنده ، و «الرب » على هذا التأويل - الملك{[6691]} .

و { بضع } في كلام العرب اختلف فيه ، فالأكثر على أنه من الثلاثة إلى العشرة ، قاله ابن عباس ، وعلى هذا هو فقه مذهب مالك رحمه الله في الدعاوى والأيمان ؛ وقال أبو عبيدة : «البضع » لا يبلغ العقد ولا نصف العقد ، وإنما هو من الواحد إلى الأربعة ، وقال الأخفش «البضع » من الواحد إلى العشرة ، وقال قتادة : «البضع » من الثلاثة إلى التسعة ، ويقوي هذا ما روي من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر الصديق في قصة خطره{[6692]} مع قريش في غلبة الروم لفارس

ث«أما علمت أن البضع من الثلاث إلى التسع »{[6693]} وقال مجاهد : من الثلاثة إلى السبعة ، قال الفراء : ولا يذكر البضع إلا مع العشرات ، لا يذكر مع مائة ولا مع ألف ، والذي روي في هذه الآية أن يوسف عليه السلام سجن خمس سنين ثم نزلت له قصة الفتيين وعوقب على قوله { اذكرني عند ربك } بالبقاء في السجن سبع سنين ، فكانت مدة سجنه اثنتي عشرة سنة ، وقيل : عوقب ببقاء سنتين ، وقال الحسن : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لولا كلمته ما لبث في السجن طول ما لبث » ، ثم بكى الحسن وقال : نحن إذا نزل بنا أمر فزعنا إلى الناس{[6694]} .


[6690]:النسيان غير جائز على الأنبياء في أمور الشريعة، وأما في أمور الدنيا فهو جائز إذا أخبر الله عنهم، أما نحن فلا يجوز لنا أن نصفهم به، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إنما أنا بشر أنسى كما تنسون)، وقال: (نسي آدم فنسيت ذريته)، ذكر ذلك القرطبي.
[6691]:إطلاق الرب على السيد أو الملك معروف في اللغة، قال الأعشى: ربي كريم لا يكدر نعمة وإذا تنوشد في المهارق أنشدا ومعنى (تنوشد): نوشد ودعي، والمهارق: الصحف والواحدة مهرق، يقول: إذا سئل أعطى.
[6692]:الخطر بفتح الخاء والطاء: النصيب والرهان، وفي حديث عمر في قسمة وادي القرى: (وكان لعثمان فيه خطر، ولعبد الرحمن خطر) أي نصيب. (المعجم الوسيط).
[6693]:قصة مراهنة أبي بكر رضي الله عنه لقريش على غلبة الروم مشهورة معروفة، إذا كان المسلمون يحبون غلبة الروم على فارس لأنهم وإياهم أهل الكتاب، وكانت قريش لا تحب ذلك لأنهم وأهل فارس لا يؤمنون بكتاب ولا بالبعث، وقد جعل أبو بكر الأجل بينه وبينهم ست سنين على رواية، وثلاث سنين على رواية أخرى، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (اذهب فزائد في الخطر و مادد في الأجل)، وكان ذلك قبل تحريم الرهان، راجع صحيح الترمذي في تفسير أول سورة الروم.
[6694]:أخرج أحمد في الزهد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن الحسن رضي الله عنه قال: ذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رحم الله يوسف لولا ... الحديث). (الدر المنثور).