الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُۥ نَاجٖ مِّنۡهُمَا ٱذۡكُرۡنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَىٰهُ ٱلشَّيۡطَٰنُ ذِكۡرَ رَبِّهِۦ فَلَبِثَ فِي ٱلسِّجۡنِ بِضۡعَ سِنِينَ} (42)

{ وَقَالَ } يوسف عند ذلك ، { لِلَّذِي ظَنَّ } علم ، { أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا } وهو الساقي ، هذا قول أكثر المفسّرين ، وفسّره قتادة على الظن الذي هو خلاف اليقين ، وقال : إنّما عبارة الرؤيا بالظنّ ويخلق الله ما يشاء ، والقول الأوّل أولى وأشبه بحال الأنبياء ، { اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ } سيّدك يعني الملك ، وقيل له : إنّ في السجن غلاماً محبوساً ظُلماً { فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ } يعني أنسى الشيطان يوسف ذكر ربه عزّ وجل حتى ابتغى الفرج من غيره واستعان بالمخلوق ، وتلك غفلة عرضت ليوسف من قبل الشيطان ، ونسي لهذا ربّه عزّ وجلّ الذي لو به استغاث لأسرع خلاصه ولكنّه [ غفل ] وطال من أجلها حبسه .

وقال محمد بن إسحاق : الهاء راجعة في قوله { فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ } إلى الساقي فنقول : أنسى الشيطان الساقي ذكر يوسف للملك وعلى هذا القول يكون معنى الآية : فأنساه الشيطانُ ذكره لربه كقوله : خوف

{ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ } [ آل عمران : 175 ] أي يخوّفكم بأوليائه .

{ فَلَبِثَ } مكث ، { فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ } اختلف العُلماء في معنى بضع فقال أبو عُبيدة : هو ما بين الثلاثة إلى الخسمة ، ومجاهد : ما بين الثلاث إلى التسع ، الأصمعي : ما بين الثلاث إلى التسع ، وابن عباس : ما دون العشرة ، وزعم الفرّاء أنّ البضع لا يذكر إلاّ مع العشرة والعشرين إلى التسعين ، وهو نيف ما بين الثلاثة إلى التسعة ، وقال : كذلك رأيتُ العرب تعمل ولا يقولون : بضع ومائة ولا بضع وألف ، وإذا كانت للذكران قيل : بضعة ، وأكثر المفسّرين على أنّ البضع في هذه الآية سبع سنين ، قال وهب : أصاب أيوب ( عليه السلام ) البلاء سبع سنين ، وتُرك يوسف في السجن سبع سنين ، وعذّب بخت نصّر فحُوِّل في السباع سبع سنين .

روى يونس عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رحم الله يوسف ، لولا كلمته ما لبث في السجن طول ما لبث " ، يعني قوله : { اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ } قال : ثمّ بكى الحسن وقال : نحن إذا نزل بنا أمر نزعنا إلى الناس ، وقال مالك بن دينار : لما قال يوسف للساقي : اذكرني عند ربّك ، قيل له : يا يوسف اتّخذتَ من دوني وكيلا لأطيلنّ حبسك ، فبكى يوسف ( عليه السلام ) قال : يا ربّ إننّي رابني كثرة الطوى فقلت كلمة ، فويلٌ لأخوتي .

وحُكي أنّ جبرئيل دخل على يوسف ( عليهما السلام ) ، فلمّا رآه يوسف عرفه وقال : يا أخا المنذرين ما لي أراك بين الخاطئين ؟ ، ثمّ قال له جبرئيل : يا طاهر الطاهرين ، يقرأ عليك السلام ربّ العالمين ويقول : مالَكَ ؟ أما استحييت منّي إذ استغثت بالآدميين ؟ ، فوعزّتي لألبثنّك في السجن بضع سنين ، قال يوسف : وهو في ذلك عليّ راض ؟ قال : نعم ، قال إذاً لا أُبالي .

وقال كعب : قال جبرئيل ليوسف : إنّ الله تعالى يقول : من خلقك ؟ قال : الله ، قال : فمن حبّبكَ إلى أبيك ؟ قال : الله ، قال فمن أنيسك في البئر إذ دخلته عريان ؟ قال : الله ، قال : فمن نجّاك من كُرب البئر ؟ قال : الله ، قال : فمن علّمك تأويل الرؤيا ؟ قال : الله ، قال فكيف استشفعت بآدمي مثلك ؟