الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُۥ نَاجٖ مِّنۡهُمَا ٱذۡكُرۡنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَىٰهُ ٱلشَّيۡطَٰنُ ذِكۡرَ رَبِّهِۦ فَلَبِثَ فِي ٱلسِّجۡنِ بِضۡعَ سِنِينَ} (42)

قوله تعالى : { لِلَّذِي ظَنَّ } : فاعلُ " ظنَّ " يجوز أن يكون يوسف عليه السلام إن كان تأويلُه بطريقة الاجتهاد ، وأن يكون الشرَّابيُّ إن كان تأويله بطريق الوحي ، أو يكون الظنُّ بمعنى اليقين ، قاله الزمخشري .

قلت : يعني أنه إنْ كان الظنُّ على بابه فلا يستقيم إسناده إلى يوسفَ إلا أن يكون تأويلُه بطريق الاجتهاد ؛ لأنه متى كان بطريق الوحي كان يقيناً فيُنْسَب الظن حينئذ للشَّرابي لا له عليه السلام ، وأمَّا إذا كان الظنُّ بمعنى اليقين فتصِحُّ نسبتُه إلى يوسف وإن كان تأويله بطريق الوحي ، وهو حَسَنٌ وإلى كونِ الظنِّ على بابه وهو مسندٌ ليوسف إن كان تأويله بطريق الاجتهاد ذهب قتادة ، فإنه قال : " الظنُّ هنا على بابه لأنَّ عبارة الرؤيا ظنٌّ " .

قوله : { مِّنْهُمَا } يجوز أن يكونَ صفةً ل " ناج " ، وأن يتعلَّقَ بمحذوف على أنه حال من الموصول . قال أبو البقاء : " ولا يكون متعلقاً ب " ناجٍ " لأنه ليس المعنى عليه " قلت : لو تعلَّق ب " ناجٍ " لأَفْهَمَ أنَّ غيرَهما نجا منهما ، أي : انفلت منهما ، والمعنى : أنَّ أحدهما هو الناجي ، وهذا المعنى الذي نبَّه عليه بعيدٌ تَوَهُّمُه . والضمير في " فَأَنْساه " يعود على الشرَّابي . وقيل : على يوسف ، وهو ضعيفٌ .

قوله : { بِضْعَ سِنِينَ } منصوبٌ على الظرف الزماني وفيه خلافٌ : فقال قتادة : " هو بين الثلاث إلى التسع " . وقال أبو عبيد : " البِضْعُ لا يَبلُغُ العِقْدَ ولا نصفَ العقدِ ، وإنما هو من الواحد إلى العشر " . وقال مجاهد : " هو من الثلاثة إلى السبعة " . وقال الفراء : " لا يُذكر البِضْعُ إلا مع العشرات ولا يُذكر مع مِئَة ولا ألف " . وقال الراغب :/ " البِضْع : بالكسر المُقَتَطَعُ من العشرة ، ويقال ذلك لِما بين الثلاثة إلى العشرة وقيل : بل هو فوق الخمسة ودون العشرة " . قلت : فَجَعَلَه مشتقاً مِنْ مادة البَضْع وهي القَطْع ، ومنه : بَضَعْتُ اللحمَ ، أي : قَطَعْتُه ، والبِضاعة : قطعةُ مالٍ للتجارة ، والمِبْضَعُ : ما يُبْضَعُ به ، والبَعْض قد تقدَّم أنه من هذا المعنى عند ذكر " البعوضة " .