تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُۥ نَاجٖ مِّنۡهُمَا ٱذۡكُرۡنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَىٰهُ ٱلشَّيۡطَٰنُ ذِكۡرَ رَبِّهِۦ فَلَبِثَ فِي ٱلسِّجۡنِ بِضۡعَ سِنِينَ} (42)

المفردات :

عند ربك : عند سيدك .

بضع سنين : البضع : العدد من الثلاث إلى التسع ، واشتهر أن يوسف مكث في السجن سبع سنين .

التفسير :

42 { وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ } .

أقام يوسف في السجن مظلوما ، فاقدا للحرية ؛ فأراد أن يذكر ساقي الملك ، بأن يذكر قصته للملك ، ويخبره : أن في السجن رجلا مظلوما يفسر الرؤيا ، ويسير بين المسجونين بمكارم الأخلاق ، لكن ساقي الملك شغله المنصب ، وحياة القصور وأمورها ، فنسى وصية يوسف له ، ونسي يوسف في السجن ؛ فمكث فيه سبع سنوات .

قال القرطبي : قال وهب بن منبه : أقام أيوب في البلاء سبع سنين ، وأقام يوسف في السجن سبع سنين .

تعليق

ذهب بعض المفسرين إلى أن يوسف مكث في السجن بضع سنين عقوبة له ؛ لأنه التفت إلى العباد ، وطلب من الساقي أن يذكر قصته للملك ، وكان ينبغي أن يذكر يوسف قصته لله ويشتكي إليه ، واعتمدوا على أحاديث واهنة لا يصح الأخذ بها .

وعند التأمل نجد أن يوسف الصديق ، كان دائم الذكر لله تعالى ؛ فهو الذي رفض الفاحشة ، وذكر زليخا بالله تعالى وبحرمة الزوج ، وهو الذي رفض إغراء النسوة وقال : { رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه } . وهو الذي استمر في السجن يدعو الناس إلى توحيد الله تعالى .

ويوسف حين يذكر الساقي بأن يعرض أمره على الملك ، هو آخذ في الأسباب ، وقد أمر الله تعالى بذلك حين قال سبحانه : { فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه } . ( الملك : 15 ) .

وزعم بعض المفسرين : أن الذي نسي ذكر ربه هو : يوسف في قوله تعالى : { فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ } . أي : أن الشيطان أنسى يوسف ذكر الله ، والاعتماد عليه في الخروج من السجن ؛ فمكث فيه بضع سنين . وعند التأمل نجد أن السياق لا يساعد على هذا الرأي ؛ بدليل قوله تعالى : { وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا واذكر بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَاْ أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ } . أي : وقال الذي نجا منهما ، وتذكر يوسف بعد مدة طويلة . . . الخ .

وقد جاء في تفسير القرطبي ، وفي صفوة التفاسير :

أن جبريل جاء إلى يوسف فأخبره : أن الله تعالى هو الذي نجاه من الجب ، ونجاه من زليخا ، ونجاه من كيد النسوة ، فكيف لجأ إلى مخلوق ليخرج من السجن ؟ ! وعقوبته أن يمكث في السجن بضع سنين .

و مثل هذه المرويات الواهية ينبغي أن نعيد النظر فيها ، في ضوء حقائق القرآن الكريم ، والسنة المطهرة ؛ في الحث على الأخذ بالأسباب ؛ مع اليقين الجازم بأن مسبب الأسباب ، هو الله تعالى .

لقد جاهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، وهاجر من مكة إلى المدينة ، وبذل جهدا كبيرا في بناء الدولة الإسلامية ، ومراسلة الملوك ، ودعوتهم إلى الإسلام ، ونهى عن التفرغ للعبادة ، وترك الجهاد ، وبين : أن التوكل على الله لا يمنع الأخذ بالأسباب .

قال أعرابي للرسول صلى الله عليه وسلم : ناقتي بالباب هل أعلقها ؟ أم أتركها وأتوكل على الله ؟ ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " أعلقها وتوكل على الله " . 19