الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُۥ نَاجٖ مِّنۡهُمَا ٱذۡكُرۡنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَىٰهُ ٱلشَّيۡطَٰنُ ذِكۡرَ رَبِّهِۦ فَلَبِثَ فِي ٱلسِّجۡنِ بِضۡعَ سِنِينَ} (42)

وقوله : { وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا } [ يوسف : 42 ] .

الظَّنُّ ؛ هنا : بمعنى اليقين ؛ لأن ما تقدَّم من قوله : { قُضِيَ الأمر } يلزم ذلك ، وقال قتادة : الظنُّ هنا على بابه ؛ لأن عبارة الرؤْيا الظنٌّ .

قال ( ع ) : وقول يوسف عليه السلام : { قُضِيَ الأمر } [ يوسف : 41 ] دالٌّ على وحْيٍ ، ولا يترتَّب قول قتادة إِلا بأَن يكون معنى قوله : { قُضِيَ الأمر } : أيْ : قُضِيَ كلامِي ، وقلْتُ ما عِنْدي ، وَتَمَّ ، واللَّه أعلم بما يكُونُ بَعْدُ ، وفي الآية تأويلٌ آخر : وهو أن يكون «ظَنَّ » مسنداً إِلى الذي قيل له : إِنه يسقي ربه خمراً ؛ لأنه داخَلَه السرور بما بُشِّر به ، وغلَبَ على ظَنِّه ومعتَقَدِهِ أَنه ناج .

وقوله : { اذكرني عند ربك } [ يوسف : 42 ] يحتمل أن يريد أن يذكره بعلمه ومكانته ، ويحتمل أن يذكره بمظلمته وما امتحن بع بغير حق ، أو يذكره بجملة ذلك ، والضمير في { فأنساه } قيل هو عائد على يوسف أي نسي في ذلك الوقت أن يشتكي إلى الله ، فروي أن جبريل جاءه فعاتبه عن الله عز وجل في ذلك ، قيل أوحي إليه يا يوسف اتخذت من دوني وكيلا لأطيلن سجنك والله أعلم بصحته ، وقيل الضمير في { فأنساه }عائد على الساقي قاله كابن إسحاق أي نسي ذكر يوسف عند ربه وهو الملك ، والبضع اختلف فيه ، والأكثر أنه من الثلاثة إلى العشرة ، قاله ابن عباس وعلى هذا فقه مذهب مالك في الدعاوى والإيمان ، وقال قتادة : البضع من الثلاثة إلى التسعة ، ويقوي هذا قوله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر الصديق في قصة خطره مع قريش في غلبة الروم لفارس ( أما علمت أن البضع من الثلاث إلى التسع ) .