غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُۥ نَاجٖ مِّنۡهُمَا ٱذۡكُرۡنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَىٰهُ ٱلشَّيۡطَٰنُ ذِكۡرَ رَبِّهِۦ فَلَبِثَ فِي ٱلسِّجۡنِ بِضۡعَ سِنِينَ} (42)

36

{ وقال } يوسف { للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك } أي اذكر عند الملك أني مظلوم من جهة إخوتي أخرجوني وباعوني ، ثم إني مظلوم من جهة النسوة اللاتي حسبتني . والضمير في { ظن } إن كان للرجل الناجي فلا إشكال لأنهما ما كانا مؤمنين بنبوة يوسف بل كانا حسني الاعتقاد فيه وكأن قوله لم يفد في حقهما إلا مجرد الظن ، وإن عاد إلى يوسف فيرد عليه أنه كان قاطعاً بنجاته فما المعنى للظن ؟ وأجيب بأنه إنما ذكر ذلك التعبير بناء على الأصول المقررة في ذلك العلم فكان كالمسائل الاجتهادية . والأصح أنه قضي بذلك على سبيل ألبت والقطع لقوله : { لا يأتيكما طعام } إلى قوله : { ذلكما مما علمني ربي } فالظن على هذا بمعنى اليقين كقوله : { الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم } [ البقرة : 46 ] أما الضمير في قوله : { فأنساه الشيطان } فمن الناس من قال : إنه يعود إلى الرجل الناجي أي أنساه الشيطان ذكر يوسف لسيده أو عند سيده فإضافة الذكر إلى الرب للملابسة لا لأجل أنه فاعل أو مفعول ، أو المضاف محذوف تقديره فأنساه ذكر إخبار ربه وإسناد الإنساء إلى الشيطان مجاز لأن الإنساء عبارة عن إزالة العلم عن القلب والشيطان قدرة له على ذلك وإلا لأزال معرفة الله من قلوب بني آدم ، وإنما فعله إلقاء الوسوسة وأخطار الهواجس التي هي من أسباب النسيان . ومنهم من قال : الضمير راجع إلى يوسف ، والمراد بالرب هو الله تعالى أي الشيطان أنسى يوسف أن يذكر الله تعالى ، وعلى القولين عوتب باللبث في السجن بضع سنين . والبضع ما بين الثلاثة إلى العشرة لأنه القطعة من العدد والبضع القطع ومثله العضب . والأكثرون على أن المراد في الآية سبع سنين . وعن ابن عباس : كان قد لبث خمس سنين وقد اقترب خروجه ، فلما تضرع إلى ذلك الرجل لبث بعد ذلك سبع سنين . وعن النبي صلى الله عليه وسلم : " رحم الله يوسف لو لم يقل اذكرني عند ربك ما لبث في السجن " وعن مالك أنه لما قال له اذكرني عند ربك قيل له : يا يوسف اتخذت من دوني وكيلاً ، لأطيلن حبسك . فبكى يوسف وقال : طول البلاء أنساني ذكر المولى فويل لإخوتي . قال المحققون : الاستعانة بغير الله في دفع الظلم جائزة . فقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأخذه النوم ليلة من الليالي وكان يطلب من يحرسه على جاء سعد بن أبي وقاص فنام . وقال تعالى حكاية عن عيسى عليه السلام : { من أنصاري إلى الله } [ الصف : 14 ] ولا خلاف في جواز الاستعانة بالكفار في دفع الظلم والغرق والحرق إلا أن يوسف عليه السلام عوتب على قوله : { اذكرني عند ربك } لوجوه منها : أنه لم يقتد بالخليل جده حين وضع في المنجنيق فلقيه جبرائيل في الهواء وقال : هل من حاجة ؟ فقال : أما إليك فلا مع أنه زعم أنه اتبع ملة آبائه . ومنها أنه قال : { ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء } وهذا يقتضي نفي الشرك على الإطلاق وتفويض الأمر بالكلية إلى الله سبحانه . فقوله : { اذكرني عند ربك } كالمناقض لهذا الكلام . ومنها أنه قال : { عند ربك } ومعاذ الله أنه زعم أنه الرب بمعنى الإله إلا أن إطلاق هذا اللفظ على الله لا يليق بمثله وإن كان رب الدار ورب الغلام مستعملاً في كلامهم . ومنها أنه لم يقرن بكلامه إن شاء الله .

/خ53