وقوله تعالى : ( وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا ) قال بعضهم : [ إن كان الظان ][ في الأصل وم : ظن ] الذي صدق ، هو ذلك الرجل ، كان[ في الأصل وم : فكان ] الظن في موضع الظن /253-أ/ وإن الظان هو يوسف فهو علم ويقين ؛ أي علم وأيقن ( أنه ناج ) لأنه لا يحتمل على حقيقة الظن من يوسف . أي وقال للذي ، ناج منهما ، ظن أنه يذكره عند ربه ، وهو على التقديم والتأخير : ( اذكرني عند ربك ) .
قال بعض أهل التأويل : إن يوسف لما فرغ إلى غير الله ، وطلب إخراجه من السجن من الملك ، أنساه الله ذكره[ في الأصل وم : وفيه ] وأفتره فيه عقوبة له حين رجا غير ربه ، لكن هذا لا يحتمل أن يكون يوسف يفرغ إلى غير الله ويدفع قلبه عن الله ، ويشغله بمن دونه .
لكنه رأى ، والله أعلم ، أن الله عز وجل جعل سبب نجاته على يده ، وأنه بقي فيه منسيا لما علم أنه لم يكن منه سبب يلزمه الحبس سوى الاعتذار إلى الناس والاعتلال لهم على نفي ما اقترفت زوجته ، أو لينقطع ذلك الخبر عن ألسن الناس ، ويبعد عن أوهامهم ، فرأى أنه إذا ذكره لعله أخرجه من ذلك لما رأى أنه جعل سبب نجاته على يديه لأنه رأى ذلك منه ، [ وفرغ قلبه إلى ][ في الأصل وم : ورفع قلبه عن ] الله .
وهكذا جعل الله تعالى أمور الدنيا كلها ، وعلى ذلك تعبد عباده باستعمال الأسباب مع اعتقاد القلب القدر من الله نحو ما جعل الأنزال والزراعة بأسباب يكتسبونها ونحو الأسلحة التي اتخذوها[ في الأصل وم : اتخذت ] للحرب والقتال بها مما يكثر عدد ذلك .
وإنما يحاربون بالله و به يقاتلون ، ومن عنده ينصرون ، وقد أمر بذلك[ في الأصل وم : ذلك ] كله وبتلك الأسباب ، فقال : ( وأعدوا لهم ما استطعتم من القوة )[ الأنفال : 60 ] .
وليس كل من فعل هذا كان فرغ إلى غير الله ، أو رأى النصر والنجاة من ذلك الشيء والسبب ، بل رأى ذلك كله من الله ومن عنده . فعلى ذلك يوسف . لا يجوز أن يتوهم أنه فرغ إلى مخلوق مثله ورأى نجاته من عند ذلك ، ولكن للوجه الذي ذكرنا ، والله أعلم .
وقوله تعالى : ( اذكرني عند ربك ) يحتمل وجهين :
أحدهما : ( اذكرني عند ربك ) لعلي حبست بلا علم منه وبغير أمره ، لأن تلك المرأة هي التي أوعدت له السجن ، فوقع عنده أنها التي احتالت في حبسه ، فقال لذلك ما قال .
والثاني يقول : اذكرني بالذي رأيت مني ، وسمعت ، لأنه دعاهما في السجن إلى التوحيد حين[ في الأصل وم : حيث ] قال : ( أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمْ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ )[ الآية : 39 ] .
وقوله تعالى : ( فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ ) قال بعض أهل التأويل : أنسى الشيطان يوسف دعاء ربه الذي أنشأه ، وخلقه فلم يدع ربه الذي هو في الحقيقة رب .
وقال بعضهم : قوله : ( فأنساه الشيطان ) [ أنسى الشيطان ][ ساقطة من الأصل وم ] الذي قال له يوسف ( اذكرني عند ربك ) ذكر ربه ، وهذا أشبه . والأول بعيد لأنه قال في آخره : ( واذكر بعد أمة ) أي بعد حين ( أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون )[ الآية : 45 ] دل هذا أنه إنما أنسى الشيطان ذلك[ أدرج قبلها في الأصل وم : على ] الرجل ، فلم يذكره عنده حينا .
وقال بعضهم : لم ينسه الشيطان ولكن تركه عمدا فلم يذكره عنده لعله يتذكر ما تقدم من المقال ، فيزداد غضبا عليه ، فتركه عمدا إلى أن جاء وقته ، والله أعلم ، لأن بدء كل شر يكون من الشيطان . وأضاف الإنسان إلى الشيطان . وكذلك قال موسى عليه السلام ( وما أنسانيه إلا الشيطان )[ الكهف : 63 ] فهو ، والله أعلم ، لأن بدء كل شر يكون من الشيطان ، لأنه يخطر بباله ، ويقذف في قلبه ، ويوسوسه ، ثم يكون من العبد العزيمة على ذلك ، والفعل .
وفائدة النسيان ، والله أعلم ، هي أن الله تعالى أراد أن يظهر آية رسالته وحجة نبوته بكونه[ في م : يكون ] في السجن ، ويظهر براءته في شأن تلك المرأة بشهادة أولئك النسوان ، وذلك علم الأحاديث التي ذكر والرؤيا التي عبرها .
وقوله تعالى : ( فلبث في السجن بضع سنين ) قال بعضهم : خمس سنين ، وقال بعضهم سبع سنين . ولكن لا نعلم ذلك ، وليس لنا إلى معرفة ذلك حاجة سوى أن فيه أنه لبث فيه حينا .
وقال أبو بكر الأصم : قوله : صاحبا[ أدرج قبلها في الأصل وم : يا ] السجن بالألف . فلما لم يقل هذا دل أنه أضاف إلى نفسه ؛ كأنه قال : يا صاحبي في السجن ، لأنهما كانا معه في السجن .
وقوله تعالى : ( قضي الأمر الذي فيه تستفتيان ) قيل : فرغ ، وقيل انتهى الأمر الذي فيه تستفتيان وأنهي [ الأمر ][ ساقطة من الأصل وم ] كقوله : ( وقضينا إلى بني إسرائيل )الآية[ الإسراء : 4 ] وقوله[ في الأصل وم : و ] : ( قضي الأمر الذي فيه تستفتيان ) كأنه بلغ إليهما وحيا إليه وأمرا[ في الأصل وم : وأمر ] به ؛ أي هو كائن من غير رجوع يكون[ في الأصل وم : كان ] منهما على ما يقوله أهل التأويل ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.