لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُۥ نَاجٖ مِّنۡهُمَا ٱذۡكُرۡنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَىٰهُ ٱلشَّيۡطَٰنُ ذِكۡرَ رَبِّهِۦ فَلَبِثَ فِي ٱلسِّجۡنِ بِضۡعَ سِنِينَ} (42)

{ وقال } يعني يوسف { للذي ظن } يعني علم وتحقق فالظن بمعنى العلم { أنه ناج منهما } يعني ساقي الملك { اذكرني عند ربك } يعني سيدك وهو الملك الأكبر فقل له إن في السجن غلاماً محبوساً مظلوماً طال حبسه { فأنساه الشيطان ذكر ربه } في هاء الكناية في فأنساه إلى من تعود قولان :

أحدهما : أنها ترجع إلى الساقي وهو قول عامة المفسرين والمعنى فأنس الشيطان الساقي أن يذكر يوسف عند الملك قالوا لأن صرف وسوسة الشيطان إلى ذلك الرجل الساقي حتى أنساه ذكر يوسف أولى من صرفها إلى يوسف .

والقول الثاني : وهو قول أكثر المفسرين أن هاء الكناية ترجع إلى يوسف ، والمعنى أن الشيطان أنسى يوسف ذكر ربه عز وجل حتى ابتغى الفرج من غيره واستعان بمخلوق مثله في دفع الضرر وتلك غفلة عرضت ليوسف عليه السلام فإن الاستعانة بالمخلوق في دفع الضرر جائزة إلا أنه لما كان مقام يوسف أعلى المقامات ورتبته أشرف المراتب وهي منصب النبوة والرسالة لا جرم صار يوسف مؤاخذاً بهذا القدر فإن حسنات الأبرار سيئات المقربين .

فإن قلت كيف تمكن الشيطان من يوسف حتى أنساه ذكر ربه .

قلت بشغل الخاطر وإلقاء الوسوسة فإنه قد صح في الحديث «إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم » فأما النسيان الذي هو عبارة عن ترك الذكر وإزالته عن القلب بالكلية فلا يقدر عليه .

وقوله سبحانه وتعالى : { فلبث في السجن بضع سنين } ، اختلفوا في قدر البضع فقال مجاهد ما بين الثلاثة إلى السبع وقال قتادة : هو ما بين الثلاث إلى التسع ، وقال ابن عباس هو ما دون العشرة وأكثر المفسرين على أن البضع في هذه الآية سبع سنين وكان يوسف قد لبث قبلها في السجن خمس سنين فجملة ذلك اثنتا عشرة سنة وقال وهب : أصاب أيوب البلاء سبع سنين وترك يوسف في السجن سبع سنين .

وقال مالك بن دينار : لما قال يوسف للساقي اذكرني عند ربك قال له يا يوسف اتخذت من دوني وكيلاً لأطيلن حبسك فبكى يوسف وقال يا رب أنسى قلبي ذكرك كثرة البلوى فقلت كلمة قال الحسن قال النبي صلى الله عليه وسلم «رحم الله يوسف لولا كلمته التي قالها ما لبث في السجن ما لبث » يعني قوله اذكرني عند ربك ثم بكى الحسن وقال نحن إذا نزل بنا أمر فزعنا إلى الناس ذكره الثعلبي مرسلاً وبغير سند وقيل إن جبريل دخل على يوسف في السجن فلما رآه يوسف عرفه فقال له يوسف يا أخا المنذرين مالي أراك بين الخاطئين فقال له جبريل يا طاهر بن الطاهرين يقرأ عليك السلام رب العالمين ويقول لك ما استحييت مني أن أستغثت بالآدميين فوعزتي وجلالي لألبثنك في السكن بضع سنين قال يوسف وهو في ذلك عني راض قال نعم قال إذن لا أبالي وقال كعب قال جبريل ليوسف يقول الله عز وجل لك من خلقك قال الله فمن رزقك قال الله قال فمن حببك إلى أبيك قال الله قال فمن نجاك من كرب البئر قال الله قال فمن علمك تأويل الرؤيا قال الله قال فمن صرفك عنك السوء والفحشاء قال الله قال فكيف استغثت بآدمي مثلك قالوا فلما انقضت سبع سنين . قال الكلبي : وهذه السبع سوى الخمس سنين التي كانت قبل ذلك ودنا فرج يوسف وأراد الله عز وجل إخراجه من السجن رأى ملك مصر الأكبر رؤيا عجيبة هالته وذلك أن رأى في منامه سبع بقرات سمان قد خرجن من البحر ثم خرجن عقيبهن سبع بقرات عجاف في غاية الهزال فابتلع العجاف السمان ودخلن في بطونهن ولم ير منهن شيء ولم يتبين على العجاف منها شيء ورأى سبع سنبلات خصر قد انعقد حبها وسبع سنبلات أخر يابسات قد استحصدت فالتوت اليابسات على الخضر حتى علون عليهن ولم يبق من خضرتها شيء فجمع السحرة والكهنة والمعبرين وقص عليهم رؤياه التي رآها فذلك قوله تعالى : { وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي } .