معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَسۡتَخۡفُونَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَلَا يَسۡتَخۡفُونَ مِنَ ٱللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمۡ إِذۡ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرۡضَىٰ مِنَ ٱلۡقَوۡلِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا يَعۡمَلُونَ مُحِيطًا} (108)

قوله تعالى : { يستخفون من الناس } ، أي : يستترون ويستحيون من الناس ، يريد بني ظفر بن الحارث .

قوله تعالى : { ولا يستخفون من الله } أي : لا يستترون ولا يستحيون من الله .

قوله تعالى : { وهو معهم إذ يبيتون } ، يتقولون ويؤلفون ، والتبييت : تدبير الفعل ليلاً .

قوله تعالى : { ما لا يرضى من القول } ، وذلك أن قوم طعمة قالوا فيما بينهم : نرفع الأمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يسمع قوله ويمينه لأنه مسلم ، ولا يسمع من اليهودي لأنه كافر ، فلم يرض الله ذلك منهم .

قوله تعالى : { وكان الله بما يعملون محيطاً } ، ثم يقول لقوم طعمة : { ها أنتم هؤلاء } .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَسۡتَخۡفُونَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَلَا يَسۡتَخۡفُونَ مِنَ ٱللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمۡ إِذۡ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرۡضَىٰ مِنَ ٱلۡقَوۡلِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا يَعۡمَلُونَ مُحِيطًا} (108)

وقوله : { يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ [ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ ]{[8278]} } الآية ، هذا إنكار على المنافقين في كونهم يستخفون بقبائحهم من الناس لئلا ينكروا عليهم ، ويجاهرون الله بها لأنه{[8279]} مطلع على سرائرهم وعالم بما في ضمائرهم ؛ ولهذا قال : { وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا } تهديد لهم ووعيد .


[8278]:زيادة من ر، أ.
[8279]:في أ: "فإنه".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَسۡتَخۡفُونَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَلَا يَسۡتَخۡفُونَ مِنَ ٱللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمۡ إِذۡ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرۡضَىٰ مِنَ ٱلۡقَوۡلِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا يَعۡمَلُونَ مُحِيطًا} (108)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ يَسْتَخْفُونَ مِنَ النّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيّتُونَ مَا لاَ يَرْضَىَ مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً } . .

يعني جلّ ثناؤه بقوله : { يَسْتَخْفُونَ مِنَ النّاسِ } يستخفى هؤلاء الذين يختانون أنفسهم ما أوتوا من الخيانة ، وركبوا من العار والمعصية من الناس الذي لا يقدرون لهم على شيء إلا ذكرهم بقبيح ما أوتوا من فعلهم وشنيع ما ركبوا من جرمهم إذا اطلعوا عليه حياء منهم ، وحذرا من قبيح الأحدوثة . { وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ } الذي هو مطلع عليهم ، لا يخفى عليه شيء من أعمالهم ، وبيده العقاب والنكال وتعجيل العذاب ، وهو أحقّ أن يستحيا منه من غيره ، وأولى أن يعظم بأن لا يراهم حيث يكرهون أن يراهم أحد من خلقه { وهُوَ مَعَهُمْ } يعني : والله شاهدهم ، { إذْ يُبَيّنُونَ ما لا يَرْضَى مِنَ القَوْلِ } يقول حين يسوّون ليلاً ما لا يرضى من القول فيغيرونه عن وجهه ، ويكذبون فيه . وقد بينا معنى التبييت في غير هذا الموضع ، وأنه كلّ كلام أو أمر أصلح ليلاً . وقد حكي عن بعض الطائيين أن التبييت في لغتهم التبديل ، وأنشد للأسود بن عامر بن جُوَين الطائي في معاتبة رجل :

وَبَيّتَ قَوْلِيَ عَبْدَ المَلِي ***كِ قاتَلَكَ اللّهُ عَبْدا كَنُودَا

بمعنى : بدلت قولي . ورُوي عن أبي رزين أنه كان يقول في معنى قوله : «يبيتون » : يؤلفون .

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي رزين : { إذْ يُبَيّتُونَ ما لا يَرْضَى مِنَ القَوْلِ } قال : يؤلفون ما لا يَرْضَى من القول .

حدثنا أحمد بن سنان الواسطي ، قال : حدثنا أبو يحيى الحماني ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي رزين ، بنحوه .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن الأعمش ، عن أبي رزين ، مثله .

قال أبو جعفر : وهذا القول شبيه المعنى بالذي قلناه ، وذلك أن التأليف هو التسوية والتغيير عما هو به وتحويله عن معناه إلى غيره .

وقد قيل : عني بقوله¹{ يَسْتَخْفُونَ مِنَ النّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ } : الرهط الذين مشوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسألة المدافعة عن بني أبيرق والجدال عنه على ما ذكرنا قبل فيما مضى عن ابن عباس وغيره . { وكانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطا } يعني جلّ ثناؤه : وكان الله بما يعمل هؤلاء المستخفون من الناس فيما أوتوا من جرمهم حياء منهم من تبييتهم ما لا يرضى من القول وغيره من أفعالهم محيطا محصيا ، لا يخفي عليه شيء منه ، حافظا لذلك عليهم ، حتى يجازيهم عليه جزاءهم .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَسۡتَخۡفُونَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَلَا يَسۡتَخۡفُونَ مِنَ ٱللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمۡ إِذۡ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرۡضَىٰ مِنَ ٱلۡقَوۡلِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا يَعۡمَلُونَ مُحِيطًا} (108)

{ يستخفون من الناس } يستترون منهم حياء وخوفا . { ولا يستخفون من الله } ولا يستحيون منه وهو أحق بأن يستحيا ويخاف منه . { وهو معهم } لا يخفى عليه سرهم فلا طريق معه إلا ترك ما يستقبحه ويؤاخذ عليه . { إذ يبيتون } يدبرون ويزورون . { ما لا يرضى من القول } من رمي البريء والحلف الكاذب وشهادة الزور . { وكان الله بما يعملون محيطا } . لا يفوت عنه شيء .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يَسۡتَخۡفُونَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَلَا يَسۡتَخۡفُونَ مِنَ ٱللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمۡ إِذۡ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرۡضَىٰ مِنَ ٱلۡقَوۡلِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا يَعۡمَلُونَ مُحِيطًا} (108)

جملة : { يستحقون من الناس } بيان ل { يختانون } . وجملة : { ولا يستخفون من الله } حال ، وذلك هو محلّ الاستغراب من حالهم وكونهم يختانون أنفسهم . والاستخفاء من الله مستعمل مجازا في الحياء ، إذ لا يعتقد أحد يؤمن بالله أنّه يستطيع أن يستخفي من الله .

وجملة : { وهو معهم } حال من اسم الجلالة ، والمعية هنا معية العلم والاطّلاع و { إذ يبيّتون } ظرف ، والتبييت جعل الشيء في البيَات ، أي الليل ، مثل التصبيح ، يقال : بيَّتهم العدوُّ وصبَّحهم العدوُّ وفي القرآن : { لنبيتَنَّه وأهلَه } [ النمل : 49 ] أي لنأتينّهم ليلا فنقلتهم . والمبيَّت هنا هو ما لا يُرضي من القول ، أي دبّروه وزوّروه ليلا لقصد الإخفاء ، كقول العرب : هذا أمر قُضي بليل ، أو تُشُوّر فيه بليل ، والمراد هنا تدبير مكيدتهم لرمي البُراء بتهمة السرقة .