الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{يَسۡتَخۡفُونَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَلَا يَسۡتَخۡفُونَ مِنَ ٱللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمۡ إِذۡ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرۡضَىٰ مِنَ ٱلۡقَوۡلِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا يَعۡمَلُونَ مُحِيطًا} (108)

{ يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ } أي يستترون ويستحيون من الناس { وَلاَ يَسْتَخْفُونَ } أي يستترون ولا يستحيون { مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ } يعني علمه .

{ إِذْ يُبَيِّتُونَ } . الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس : يعني يقولون ، عن سفيان عن الأعمش عن أبي رزين : يولعون { مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ } يعني بأن اليهودي سرقه { وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً } يعني قد احاط الله بأعمالهم الحسنة .

وتعلقت الجهمية والمعتزلة بهذه الآية ، استدلوا منها على إن الله بكل مكان قالوا لمّا قال { وَهُوَ مَعَهُمْ } ثبت إنه بكل مكان لأنه قد اثبت كونه معهم وقال لهم حق قوله وهو معهم إنه يعلم ما يقولون ولا يخفى عليه فعلهم لأنه العالم بما يظهره الخلق وبما يستره ، وليس في وله وهو معهم ما يوجب انه بكل مكان لأنه قال

{ أَأَمِنتُمْ مَّن فِي السَّمَآءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ } [ الملك : 16 ] ولم يرد قوله انه في السماء يَعني غير الذات لأن القول : أنّ زيداً في موضع كذا من غير أن يعتد بذكر فعل أو شيء من الأشياء لايكون إلاّ بالذات ، وقال تعالى ( إليه يصعد الكلم الطيب ) وقال :

{ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَآءِ إِلَى الأَرْضِ } [ السجدة : 5 ] فأخبر أنه [ يرفع ] الأشياء من السماء ولا يجوز أن يكون معهم بذاته ثم يدبر الأمر من السماء وإليه يصعد الكلم الطيب ، ولو كان قوله ( وهو معهم إذ يقولون ما لا يرضى من القول )