الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{يَسۡتَخۡفُونَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَلَا يَسۡتَخۡفُونَ مِنَ ٱللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمۡ إِذۡ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرۡضَىٰ مِنَ ٱلۡقَوۡلِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا يَعۡمَلُونَ مُحِيطًا} (108)

قوله تعالى : { يَسْتَخْفُونَ مِنَ الناس وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ الله }[ النساء :108 ] .

الضميرُ في ( يستخفون ) للصِّنْفِ المرتكبِ للمعاصِي ، ويندرجُ في طَيِّ هذا العموم أهْلُ الخيانةِ في النازلة المذكورةِ ، وأهْلُ التعصُّب لهم ، والتَّدْبيرِ في خَدْعِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، والتلبيسِ عليه ، ويحتملُ أَنْ يكونَ الضميرُ لأَهْلِ هذه النازلةِ ، ويدْخُلُ في معنى هذا التوبيخِ كلُّ من يفعل نَحْوَ فعلهم ، قال صاحبُ «الكَلِمِ الفَارِقِيَّة ، والحِكمِ الحقيقيَّة » : النفوسُ المرتكبةُ للمحارِمِ ، المحتقبَةُ للمآثِمِ ، والمَظَالِمِ ، شبيهةٌ بالأراقم ، تملأ أفواهَهَا سُمًّا ، وتقصدُ مَنْ تقذفُهُ عَلَيْه عدواناً وظلماً ، تجمعُ في ضمائرها سُمُومَ شُرُورِهَا وضَرَرها ، وتحتالُ لإلقائها على الغافلينَ عَنْ مكائدهَا وخُدَعِهَا . انتهى .

ومعنى : { وَهُوَ مَعَهُمْ } ، بالإحَاطَةِ والعِلْمِ والقُدْرَةِ ، و( يبيِّتون ) : يدبِّرون لَيْلاً ، ويحتمل أنْ تكون اللفظة مأخوذةً من البَيْت ، أي : يستَتِرُونَ في تَدْبِيرِهمْ بالجُدُرَانِ .