معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ كَيۡفَ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا كَلِمَةٗ طَيِّبَةٗ كَشَجَرَةٖ طَيِّبَةٍ أَصۡلُهَا ثَابِتٞ وَفَرۡعُهَا فِي ٱلسَّمَآءِ} (24)

وقوله تعالى : { ألم تر كيف ضرب الله مثلا } ، ألم تعلم ، والمثل : قول سائر لتشبيه شيء بشيء . { كلمة طيبة } ، هي قول : لا إله إلا الله ، " كشجرة طيبة " ، { كشجرة طيبة } وهي النخلة يريد : كشجرة طيبة الثمر . وقال أبو ظبيان عن ابن عباس : هي شجرة في الجنة . { أصلها ثابت } ، في الأرض ، { وفرعها } ، أعلاها ، { في السماء } ، كذلك أصل هذه الكلمة : راسخ في قلب المؤمن بالمعرفة والتصديق ، فإذا تكلم بها عرجت ، فلا تحجب حتى تنتهي إلى الله عز وجل . قال الله تعالى : { إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه } [ فاطر-10 ] .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ كَيۡفَ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا كَلِمَةٗ طَيِّبَةٗ كَشَجَرَةٖ طَيِّبَةٍ أَصۡلُهَا ثَابِتٞ وَفَرۡعُهَا فِي ٱلسَّمَآءِ} (24)

قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : { مَثَلا كَلِمَةً طَيِّبَةً } شهادة أن لا إله إلا الله ، { كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ } وهو المؤمن ، { أَصْلُهَا ثَابِتٌ } يقول : لا إله إلا الله في قلب المؤمن ، { وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ } يقول : يرفع بها عمل المؤمن إلى السماء .

وهكذا قال الضحاك ، وسعيد بن جُبَير ، وعِكْرِمة وقتادة وغير واحد : إن ذلك عبارة عن المؤمن ، وقوله الطيب ، وعمله الصالح ، وإن المؤمن كالشجرة من النخل ، لا يزال يرفع له عمل صالح في كل حين ووقت ، وصباح ومساء .

وهكذا رواه السُّدِّي ، عن مُرَّة ، عن ابن مسعود قال : هي النخلة .

وشعبة ، عن معاوية بن قُرَة ، عن أنس : هي النخلة .

وحماد بن سلمة ، عن شعيب بن الحبحاب ، عن أنس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بقناع بُسْر فقال :{[15816]} " ومثل كلمة طيبة كشجرة طيبة " قال : " هي النخلة " {[15817]} .

وروي من هذا الوجه ومن غيره ، عن أنس موقوفا{[15818]} وكذا نص عليه مسروق ، ومجاهد ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، والضحاك ، وقتادة وغيرهم .

وقال البخاري : حدثنا عُبَيدُ بن إسماعيل ، عن أبي أسامة ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " أخبروني عن شجرة تشبه - أو : كالرجل - المسلم ، لا يتحات ورقها [ ولا ولا ولا ]{[15819]} تؤتي أكلها كل حين " . قال ابن عمر : فوقع في نفسي أنها النخلة ، ورأيت أبا بكر وعمر لا يتكلمان ، فكرهت أن أتكلم ، فلما لم يقولوا شيئا ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هي النخلة " . فلما قمنا قلت لعمر : يا أبتا ، والله لقد كان وقع في نفسي أنها النخلة . قال : ما منعك أن تكلم ؟ قال : لم أركم تتكلمون ، فكرهت أن أتكلم أو أقول شيئا . قال عمر : لأن تكون قلتها أحب إلي من كذا وكذا{[15820]} .

وقال أحمد : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : صحبت ابن عمر إلى المدينة ، فلم أسمعه يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا حديثا واحدا - قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى بجمار . فقال : " من الشجر شجرة مثلها مثل الرجل المسلم " . فأردت أن أقول : هي النخلة ، فنظرت فإذا أنا أصغر القوم ، [ فسكت ]{[15821]} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هي النخلة " أخرجاه{[15822]} .

وقال مالك وعبد العزيز ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما لأصحابه : " إن من الشجر شجرة لا يطرح ورقها ، مثل المؤمن " . قال : فوقع الناس في شجر البوادي ، ووقع في قلبي أنها النخلة [ فاستحييت ، حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هي النخلة ] " {[15823]} أخرجاه أيضا{[15824]} .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا أبان - يعني ابن زيد العطار - حدثنا قتادة : أن رجلا قال : يا رسول الله ، ذهب أهل الدثور بالأجور ! فقال : " أرأيت لو عمد إلى متاع

الدنيا ، فركب بعضها على بعض أكان يبلغ السماء ؟ أفلا أخبرك بعمل أصله في الأرض وفرعه في السماء ؟ " . قال : ما هو يا رسول الله ؟ قال : " تقول : لا إله إلا الله ، والله أكبر ، وسبحان الله ، والحمد لله " ، عشر مرات في دبر كل صلاة ، فذاك أصله في الأرض وفرعه في السماء " {[15825]} .

وعن ابن عباس { كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ } قال : هي شجرة في الجنة .


[15816]:- في هـ ، ت ، أ : "فقرأ" والمثبت من الطبري والترمذي.
[15817]:- رواه الطبري في تفسيره (16/570) والترمذي في السنن برقم (3119) من طريق حماد بن سلمة به ، وقال الترمذي : "وروى غير واحد مثل هذا موقوفا ، ولا نعلم أحدا رفعه غير حماد بن سلمة ، ورواه معمر وحماد بن زيد وغير واحد ولم يرفعوه".
[15818]:- رواه أبو بكر بن شعيب بن الحبحاب ، عن أبيه ، عن أنس بن مالك نحوه موقوفا ، أخرجه الترمذي في السنن برقم (3119) ورواه حماد بن زيد ، عن شعيب بن الحبحاب ، عن أنس موقوفا ، أخرجه الترمذي في السنن برقم (3119).
[15819]:- زيادة من ت ، أ ، والبخاري.
[15820]:- صحيح البخاري برقم (4698).
[15821]:- زيادة من ت ، أ ، والمسند.
[15822]:- المسند (2/12) وصحيح البخاري برقم (72) وصحيح مسلم برقم (2811).
[15823]:- زيادة من ت ، أ ، والصحيحين.
[15824]:- صحيح البخاري برقم (131) وصحيح مسلم برقم (2811).
[15825]:- أورده السيوطي في الدر المنثور (5/22) وعزاه لابن أبي حاتم ، وهو مرسل.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ كَيۡفَ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا كَلِمَةٗ طَيِّبَةٗ كَشَجَرَةٖ طَيِّبَةٍ أَصۡلُهَا ثَابِتٞ وَفَرۡعُهَا فِي ٱلسَّمَآءِ} (24)

وقوله : ألَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيّبَةً كَشَجَرةٍ طَيّبَةٍ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ألم تر يا محمد بعين قلبك فتعلم كيف مثّل الله مثلاً وشبّه شبها كلمة طيبة ، ويعني بالطيبة : الإيمان به جلّ ثناؤه : كشجرة طيبة الثمرة ، وترك ذكر الثمرة استغناء بمعرفة السامعين عن ذكرها بذكر الشجرة . وقوله : أصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السّماءِ يقول عزّ ذكره : أصل هذه الشجرة ثابت في الأرض ، وفرعها ، وهو أعلاها في السماء : يقول : مرتفع علوا نحو السماء .