الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{أَلَمۡ تَرَ كَيۡفَ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا كَلِمَةٗ طَيِّبَةٗ كَشَجَرَةٖ طَيِّبَةٍ أَصۡلُهَا ثَابِتٞ وَفَرۡعُهَا فِي ٱلسَّمَآءِ} (24)

أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله { ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة } شهادة أن لا إله إلا الله { كشجرة طيبة } وهو المؤمن { أصلها ثابت } يقول : لا إله إلا الله { ثابت } في قول المؤمن { وفرعها في السماء } يقول : يرفع بها عمل المؤمن إلى السماء { ومثل كلمة خبيثة } وهي الشرك { كشجرة خبيثة } وهي الكافر { اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار } يقول : الشرك ليس له أصل يأخذ به الكافر ، ولا برهان له ولا يقبل الله مع الشرك عملاً .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله { ألم تر كيف ضرب الله مثلاً . . . } الآية . قال : يعني بالشجرة الطيبة ، المؤمن . ويعني بالأصل الثابت في الأرض وبالفرع في السماء ، يكون المؤمن يعمل في الأرض ويتكلم ، فيبلغ عمله وقوله السماء وهو في الأرض { تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها } يقول : يذكر الله كل ساعة من الليل والنهار . وفي قوله { ومثل كلمة خبيثة } قال : ضرب الله مثل الشجرة الخبيثة كمثل الكافر ، يقول : إن الشجرة الخبيثة { اجتثت } من فوق الأرض { ما لها من قرار } يعني أن الكافر لا يقبل عمله ولا يصعد إلى الله تعالى ، فليس له أصل ثابت في الأرض ولا فرع في السماء ، يقول : ليس له عمل صالح في الدنيا ولا في الآخرة .

وأخرج ابن جرير عن الربيع بن أنس في قوله { كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت } في الأرض ، وكذلك كان يقرؤها . قال : ذلك المؤمن ضرب مثله . قال : الإخلاص لله وحده وعبادته لا شريك له { أصلها ثابت } قال : أصل عمله ثابت في الأرض { وفرعها في السماء } قال : ذكره في السماء { تؤتي أكلها كل حين } قال : يصعد عمله أوّل النهار وآخره { ومثل كلمة خبيثة } قال : هذا الكافر ، ليس له عمل في الأرض ولا ذكر في السماء { اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار } قال : أعمالهم يحملون أوزارهم على ظهورهم .

وأخرج ابن جرير ، عن عطية العوفي في قوله { ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة } قال : ذلك مثل المؤمن ، لا يزال يخرج منه كلام طيب وعمل صالح يصعد إليه { ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة } قال : ذلك مثل الكافر ، لا يصعد له قول طيب ولا عمل صالح .

وأخرج ابن جرير عن الضحاك - رضي الله عنه - في قوله { كشجرة طيبة . . . } إلى قوله { تؤتي أكلها كل حين } قال : تجتمع ثمرتها كل حين . وهذا مثل المؤمن ، يعمل كل حين وكل ساعة من النهار وكل ساعة من الليل ، وفي الشتاء وفي الصيف بطاعة الله .

قال : وضرب الله مثل الكافر { كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار } يقول : ليس لها أصل ولا فرع ، وليست لها ثمرة وليست فيها منفعة . كذلك الكافر ، ليس يعمل خيراً ولا يقوله ، ولم يجعل الله تعالى فيه بركة ولا منفعة له .

وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الربيع بن أنس - رضي الله عنه - قال : إن الله جعل طاعته نوراً ، ومعصيته ظلمة . إن الإِيمان في الدنيا هو النور يوم القيامة ، ثم إنه لا خير في قول ولا عمل ليس له أصل ولا فرع ، وإنه قد ضرب مثل الإِيمان فقال : { ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة . . . } إلى قوله { وفرعها في السماء } وإنما هي الأمثال في الإِيمان والكفر . فذكر أن العبد المؤمن المخلص ، هو الشجرة . إنما ثبت أصله في الأرض وبلغ فرعه في السماء . إن الأصل الثابت ، الإخلاص لله وحده وعبادته لا شريك له ، ثم إن الفرع ، هي الحسنة . ثم يصعد عمله أول النهار وآخره ، فهي { تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها } ثم هي أربعة أعمال إذا جمعها العبد : الإخلاص لله وحده ، وعبادته لا شريك له ، وخشيته وحبه وذكره . إذا جمع ذلك فلا تضره الفتن .

وأخرج ابن أبي حاتم ، عن قتادة - رضي الله عنه - أن رجلاً قال : « يا رسول الله ، ذهب أهل الدثور بالأجور . فقال : أرأيت لو عمد إلى متاع الدنيا ، فركب بعضها إلى بعض ، أكان يبلغ السماء ؟ . . . أفلا أخبرك بعمل أصله في الأرض وفرعه في السماء ؟ تقول : لا إله إلا الله ، والله أكبر ، وسبحان الله ، والحمد لله عشر مرات في دبر كل صلاة . فذلك أصله في الأرض وفرعه في السماء » .

وأخرج الترمذي والنسائي والبزار وأبو يعلى وابن جرير وابن أبي حاتم وابن حبان والحاكم وصححه ، وابن مردويه ، عن أنس - رضي الله عنه - قال : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقناع من بسر ، فقال : « { مثل كلمة طيبة كشجرة طيبة . . . } حتى بلغ { تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها } قال : هي النخلة { ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة . . . } حتى بلغ { ما لها من قرار } قال : هي الحنظلة » .

وأخرج عبد الرزاق والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والرامهرمزي في الأمثال ، عن شعيب بن الحجاب - رضي الله عنه - قال : كنا عند أنس فأتينا بطبق عليه رطب ، فقال أنس - رضي الله عنه - لأبي العالية - رضي الله عنه - كل يا أبا العالية ، فإن هذا من الشجرة التي ذكر الله في كتابه «ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة ثابت أصلها » قال : هكذا قرأها يومئذ أنس .

قال الترمذي - رضي الله عنه - : هذا الموقوف أصح .

وأخرج أحمد وابن مردويه بسند جيد ، عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله { كشجرة طيبة } قال : « هي التي لا ينقص ورقها . هي النخلة » .

وأخرج البخاري وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال : «أخبروني بشجرة مثل الرجل المسلم ، لا يتحات ورقها ولا ولا ، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها » قال عبد الله - رضي الله عنه - : فوقع في نفسي أنها النخلة ، فأردت أن أقول : هي النخلة ، فإذا أنا أصغر القوم . وثم أبو بكر وعمر - رضي الله عنهما - فلما لم يتكلما بشيء ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « هي النخلة » .

وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : لما نزلت هذه الآية { ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أتدرون أي شجرة هذه ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : هي النخلة . قال عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - فقلت : والذي أنزل عليك الكتاب بالحق لقد وقع في نفسي أنها النخلة ، ولكني كنت أصغر القوم ، لم أحب أن أتكلم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك : ليس منا من لم يوقر الكبير ويرحم الصغير » .

وأخرج ابن جرير وابن مردويه ، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « هل تدرون ما الشجرة الطيبة ؟ قال ابن عمر - رضي الله عنهما - : فأردت أن أقول هي النخلة ، فمنعني مكان عمر . فقالوا : الله ورسوله أعلم . فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم : هي النخلة » .

وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر ، عن ابن مسعود في قوله { كشجرة طيبة } قال : هي النخلة .

وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه من طرق ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله { كشجرة طيبة } قال : هي النخلة { تؤتي أكلها كل حين } قال : بكرة وعشية .

وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله { كشجرة طيبة } قال : هي النخلة . وقوله { كشجرة خبيثة } قال : هي الحنظلة .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والرامهرمزي ، عن عكرمة - رضي الله عنه - في قوله { كشجرة طيبة } قال : هي النخلة ، لا يزال فيها شيء ينتفع به ، إما ثمرة وإما حطب . قال : وكذلك الكلمة الطيبة ، تنفع صاحبها في الدنيا والآخرة .