معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{۞تِلۡكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلۡنَا بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖۘ مِّنۡهُم مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُۖ وَرَفَعَ بَعۡضَهُمۡ دَرَجَٰتٖۚ وَءَاتَيۡنَا عِيسَى ٱبۡنَ مَرۡيَمَ ٱلۡبَيِّنَٰتِ وَأَيَّدۡنَٰهُ بِرُوحِ ٱلۡقُدُسِۗ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقۡتَتَلَ ٱلَّذِينَ مِنۢ بَعۡدِهِم مِّنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَتۡهُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُ وَلَٰكِنِ ٱخۡتَلَفُواْ فَمِنۡهُم مَّنۡ ءَامَنَ وَمِنۡهُم مَّن كَفَرَۚ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقۡتَتَلُواْ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَفۡعَلُ مَا يُرِيدُ} (253)

{ تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ } أي كلمه الله تعالى يعني موسى عليه السلام { وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ } يعني محمدا صلى الله عليه وسلم ، قال الشيخ الإمام رحمة الله عليه : وما أوتي نبي آية إلا وقد أوتي نبينا مثل تلك الآية وفضل على غيره بآيات مثل : انشقاق القمر بإشارته ، وحنين الجذع على مفارقته ، وتسليم الحجر والشجر عليه ، وكلام البهائم والشهادة برسالته ، ونبع الماء من بين أصابعه ، وغير ذلك من المعجزات والآيات التي لا تحصى ، وأظهرها القرآن الذي عجز أهل السماء وأهل الأرض عن الإتيان بمثله .

أخبرنا أبو بكر يعقوب بن أحمد بن محمد بن علي الصيرفي ، أنا أبو الحسن محمد بن أحمد المخلدي ، أخبرنا أبو العباس بن محمد بن إسحاق الثقفي ، أنا قتيبة بن سعيد ، أنا الليث بن سعد عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما من نبي من الأنبياء إلا وقد أعطي من الآيات ما آمن على مثله البشر ، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله تعالى إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة " .

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، أنا محمد بن سنان ، أخبرنا هشيم ، أنا سيار ، أنا يزيد الفقير ، أنا جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي : نصرت بالرعب مسيرة شهر ، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل ، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي ، وأعطيت الشفاعة ، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة " .

أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الخرقي أنا أبو الحسن علي بن عبد الله الطيسفوني ، أنا عبد الله بن عمر الجوهري ، أنا أحمد بن علي الكشميهني ، أنا علي بن حجر أنا إسماعيل بن جعفر ، أنا العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " فضلت على الأنبياء بست : أوتيت جوامع الكلم ، ونصرت بالرعب ، وأحلت لي الغنائم ، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا وأرسلت إلى الخلق كافة ، وختم بي النبيون " .

قوله تعالى : { وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ } أي من بعد الرسل { مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ } ثبت على إيمانه بفضل الله { وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ } بخذلانه { وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا } أعاده تأكيدا { وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ } يوفق من يشاء فضلا ويخذل من يشاء عدلا .

سأل رجل علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال : يا أمير المؤمنين ، أخبرني عن القدر ؟ فقال : طريق مظلم لا تسلكه ، فأعاد السؤال فقال : بحر عميق فلا تلجه ، فأعاد السؤال ، فقال : سر الله في الأرض قد خفي عليك فلا تفتشه .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{۞تِلۡكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلۡنَا بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖۘ مِّنۡهُم مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُۖ وَرَفَعَ بَعۡضَهُمۡ دَرَجَٰتٖۚ وَءَاتَيۡنَا عِيسَى ٱبۡنَ مَرۡيَمَ ٱلۡبَيِّنَٰتِ وَأَيَّدۡنَٰهُ بِرُوحِ ٱلۡقُدُسِۗ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقۡتَتَلَ ٱلَّذِينَ مِنۢ بَعۡدِهِم مِّنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَتۡهُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُ وَلَٰكِنِ ٱخۡتَلَفُواْ فَمِنۡهُم مَّنۡ ءَامَنَ وَمِنۡهُم مَّن كَفَرَۚ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقۡتَتَلُواْ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَفۡعَلُ مَا يُرِيدُ} (253)

يخبر تعالى أنه فضل بعض الرسل على بعض كما قال : { وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا } [ الإسراء : 55 ] وقال هاهنا : { تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ } يعني : موسى ومحمدا صلى الله عليه وسلم وكذلك آدم ، كما ورد به الحديث المروي في صحيح ابن حبان عن أبي ذر رضي الله عنه { وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ } كما ثبت في حديث الإسراء حين رأى النبي صلى الله عليه وسلم الأنبياء في السموات{[4264]} بحسب تفاوت منازلهم عند الله عز وجل .

فإن قيل : فما الجمع بين هذه الآية وبين الحديث الثابت في الصحيحين عن أبي هريرة قال : استب رجل من المسلمين ورجل من اليهود فقال اليهودي في قسم يقسمه : لا والذي اصطفى موسى

على العالمين . فرفع المسلم يده فلطم بها وجه اليهودي فقال : أي خبيث وعلى محمد صلى الله عليه وسلم ! فجاء اليهودي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشتكى على المسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تفضلوني على الأنبياء فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق فأجد موسى باطشا بقائمة العرش فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور ؟ فلا تفضلوني على الأنبياء " {[4265]} وفي رواية : " لا تفضلوا بين الأنبياء " .

فالجواب من وجوه :

أحدها : أن هذا كان قبل أن يعلم بالتفضيل وفي هذا نظر .

الثاني : أن هذا قاله من باب الهضم والتواضع .

الثالث : أن هذا نهي عن التفضيل في مثل هذه الحال التي تحاكموا فيها عند التخاصم والتشاجر .

الرابع : لا تفضلوا بمجرد الآراء والعصبية .

الخامس : ليس مقام التفضيل إليكم وإنما هو إلى الله عز وجل وعليكم الانقياد والتسليم له والإيمان به .

وقوله : { وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ } أي : الحجج والدلائل القاطعات على صحة ما جاء بني إسرائيل به ، من أنه عبد الله ورسوله إليهم { وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ } يعني : أن الله أيده بجبريل عليه السلام ثم قال تعالى : { وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا } أي : بل كل ذلك عن قضاء الله وقدره ؛ ولهذا قال : { وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ }


[4264]:في جـ: "في السماء".
[4265]:صحيح البخاري برقم (3408) وصحيح مسلم برقم (2373).
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{۞تِلۡكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلۡنَا بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖۘ مِّنۡهُم مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُۖ وَرَفَعَ بَعۡضَهُمۡ دَرَجَٰتٖۚ وَءَاتَيۡنَا عِيسَى ٱبۡنَ مَرۡيَمَ ٱلۡبَيِّنَٰتِ وَأَيَّدۡنَٰهُ بِرُوحِ ٱلۡقُدُسِۗ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقۡتَتَلَ ٱلَّذِينَ مِنۢ بَعۡدِهِم مِّنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَتۡهُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُ وَلَٰكِنِ ٱخۡتَلَفُواْ فَمِنۡهُم مَّنۡ ءَامَنَ وَمِنۡهُم مَّن كَفَرَۚ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقۡتَتَلُواْ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَفۡعَلُ مَا يُرِيدُ} (253)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ تِلْكَ الرّسُلُ فَضّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مّنْهُمْ مّن كَلّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيّنَاتِ وَأَيّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَآءَ اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الّذِينَ مِن بَعْدِهِم مّن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ الْبَيّنَاتُ وَلََكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُمْ مّنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مّن كَفَرَ وَلَوْ شَآءَ اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلََكِنّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ }

يعني تعالى ذكره بقوله : { تِلْكَ الرّسُلُ } الذين قصّ الله قصصهم في هذه السورة ، كموسى بن عمران وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وشمويل وداود ، وسائر من ذكر نبأهم في هذه السورة . يقول تعالى ذكره : هؤلاء رسلي فضلت بعضهم على بعض ، فكلمت بعضهم والذي كلمته منهم موسى صلى الله عليه وسلم ورفعت بعضهم درجات على بعض بالكرامة ورفعة المنزلة . كما :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله تعالى ذكره : { تِلْكَ الرّسُلُ فَضّلْنا بَعْضَهُمْ على بَعْضٍ } قال : يقول : منهم من كلّم الله ورفع بعضهم على بعض درجات . يقول : كلم الله موسى ، وأرسل محمدا إلى الناس كافة .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد بنحوه .

ومما يدل على صحة ما قلنا في ذلك قول النبيّ صلى الله عليه وسلم : «أُعْطِيتُ خَمْسا لَمْ يُعْطَهُنّ أحَدٌ قَبْلِي : بُعِثْتُ إلى الأحْمَرِ وَالأَسْوَدِ ، وَنُصِرْتُ بالرّعْبِ ، فإنّ العَدُوّ لَيُرْعَبُ مِنّي على مَسِيرَةِ شَهْرٍ ، وَجُعِلَتْ لِيَ الأرْضُ مَسْجِدا وَطَهُورا ، وأُحِلّتْ لِيَ الغَنَائِمُ ولَمْ تَحِلّ لأحَدٍ كانَ قَبْلِي ، وَقِيلَ لي : سَلْ تُعْطَهْ ، فاخْتَبأتُها شَفاعَةً لأُمّتِي ، فَهِيَ نائِلَةٌ مِنْكُمْ إنْ شاءَ اللّهُ مَنْ لا يُشْرِكُ باللّهِ شَيْئا » .

القول في تأويل قوله تعالى : { وآتَيْنَا عِيسَى ابنَ مَرْيَمَ البَيّنَاتِ وَأيّدْناهُ بِرُوحِ القُدُسِ } .

يعني تعالى ذكره بذلك : { وآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ البَيّنَاتِ } وآتينا عيسى ابن مريم الحجج والأدلة على نبوّته : من إبراء الأكْمَهِ والأبرص ، وإحياء الموتى ، وما أشبه ذلك ، مع الإنجيل الذي أنزلته إليه ، فبينت فيه ما فرضت عليه .

ويعني تعالى ذكره بقوله : { وأيّدْناهُ } وقوّيناه وأعنّاه { بِرُوحِ القُدُسِ } يعني بروح الله ، وهو جبريل . وقد ذكرنا اختلاف أهل العلم في معنى روح القدس والذي هو أولى بالصواب من القول في ذلك فيما مضى قبل ، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع .

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَوْ شاءَ اللّهُ ما اقْتَتَلَ الّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جاءَتْهُمُ البَيّناتُ } .

يعني تعالى ذكره بذلك : ولو أراد الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ، يعني من بعد الرسل الذين وصفهم بأنه فضل بعضهم على بعض ، ورفع بعضهم درجات ، وبعد عيسى ابن مريم ، وقد جاءهم من الاَيات بما فيه مُزْدَجَرٌ لمن هداه الله ووفقه .

ويعني بقوله : { مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ البَيّناتُ } يعني من بعد ما جاءهم من آيات الله ما أبان لهم الحق ، وأوضح لهم السبيل .

وقد قيل : إن الهاء والميم في قوله : { مِنْ بَعْدِهِمْ } من ذكر موسى وعيسى : ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { وَلَوْ شَاءَ اللّهُ مَا اقتتَلَ الّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ البَيّناتُ } يقول : من بعد موسى وعيسى .

حدثت عن عمار ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : { وَلَوْ شاءَ اللّهُ ما اقتتَلَ الّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بعدِ ما جاءَتْهُمُ البَيّناتُ } يقول : من بعد موسى وعيسى .

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَكِنِ اختَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شاءَ اللّهُ ما اقْتَتَلُوا وَلَكِنّ اللّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ } .

يعني تعالى ذكره بذلك : ولكن اختلف هؤلاء الذين من بعد الرسل لما لم يشأ الله منهم تعالى ذكره أن لا يقتتلوا ، فاقتتلوا من بعد ما جاءتهم البينات من عند ربهم بتحريم الاقتتال والاختلاف ، وبعد ثبوت الحجة عليهم بوحدانية الله ورسالة رسله ووحي كتابه ، فكفر بالله وبآياته بعضهم ، وآمن بذلك بعضهم . فأخبر تعالى ذكره : أنهم أتوا ما أتوا من الكفر والمعاصي بعد علمهم بقيام الحجة عليهم بأنهم على خطأ ، تعمدا منهم للكفر بالله وآياته . ثم قال تعالى ذكره لعباده : { وَلَوْ شاءَ اللّهُ ما اقْتَتَلُوا } يقول : ولو أراد الله أن يحجزهم بعصمته وتوفيقه إياهم عن معصيته فلا يقتتلوا ما اقتتلوا ولا اختلفوا ، { وَلكِنّ الله يَفْعَلُ ما يُرِيدُ } بأن يوفق هذا لطاعته والإيمان به فيؤمن به ويطيعه ، ويخذل هذا فيكفر به ويعصيه .