بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{۞تِلۡكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلۡنَا بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖۘ مِّنۡهُم مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُۖ وَرَفَعَ بَعۡضَهُمۡ دَرَجَٰتٖۚ وَءَاتَيۡنَا عِيسَى ٱبۡنَ مَرۡيَمَ ٱلۡبَيِّنَٰتِ وَأَيَّدۡنَٰهُ بِرُوحِ ٱلۡقُدُسِۗ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقۡتَتَلَ ٱلَّذِينَ مِنۢ بَعۡدِهِم مِّنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَتۡهُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُ وَلَٰكِنِ ٱخۡتَلَفُواْ فَمِنۡهُم مَّنۡ ءَامَنَ وَمِنۡهُم مَّن كَفَرَۚ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقۡتَتَلُواْ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَفۡعَلُ مَا يُرِيدُ} (253)

{ تِلْكَ الرسل } { الذين أنزلنا عليك خبرهم في القرآن ، { فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ على بَعْضٍ } في الدنيا . ويقال : التفضيل يكون على ثلاثة أوجه : أحدها أن يكون دلالة نبوته أكثر . والثاني : أن تكون أمته أكثر . والثالث : أن يكون بنفسه أفضل . ثم بيّن تفضيلهم فقال : { مّنْهُمْ مَّن كَلَّمَ الله } ، مثل موسى عليه السلام { وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ } ، يعني إدريس عليه السلام كما قال تعالى : { وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً } [ مريم : 57 ] . وقال الزجاج : جاء في التفسير أنه أراد محمداً صلى الله عليه وسلم ، لأنه أرسله إلى الناس كافة . وليس شيء من الآيات التي أعطاها الله الأنبياء عليهم السلام إلا والذي أعطى محمداً صلى الله عليه وسلم أكثر ، لأنه قد كلمته الشجرة ، وأطعم من كف من التمر خلقاً كثيراً ، وأمرَّ يده على شاة أم معبد فدرت لبناً كثيراً بعد الجفاف ، ومنها انشقاق القمر ، فذلك قوله : { أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي الحياة الدنيا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ درجات لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } [ الزخرف : 32 ] ، يعني محمداً صلى الله عليه وسلم . { وَآتَيْنَا عيسى ابن مريم البينات } ، يعني العجائب والدلائل وهو : أن يحيي الموتى بإذنه ، ويبرىء الأكمه والأبرص ؛ { وأيدناه بِرُوحِ القدس } ، يعني أعناه بجبريل حين أرادوا قتله .

{ وَلَوْ شَاء الله مَا اقتتل الذين مِن بَعْدِهِم مّن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ البينات } التي أتاهم بها موسى وعيسى عليهما السلام وقال الزجاج : يحتمل وجهين : ولو شاء الله ما أمر بالقتال بعد وضوح الحجة ، ويحتمل ولو شاء الله اضطرهم إلى أن يكونوا مؤمنين ، كما قال تعالى : { وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِن استطعت أَن تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِى الأرض أَوْ سُلَّماً فِى السماء فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ الله لَجَمَعَهُمْ عَلَى الهدى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الجاهلين } [ الأنعام : 35 ] ولكن اختلفوا في الدين فصاروا فريقين { فَمِنْهُمْ مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ } بالكتاب والرسل . { وَلَوْ شَاء الله مَا اقتتلوا } وجعلهم على أمر واحد . { ولكن الله يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ } ، أي يعصم من يشاء من الاختلاف ، ويخذل من يشاء ؛ فلا مرد لأمره ، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون .