معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُۥ وَوَهَبۡنَا لَهُۥ يَحۡيَىٰ وَأَصۡلَحۡنَا لَهُۥ زَوۡجَهُۥٓۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ يُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡخَيۡرَٰتِ وَيَدۡعُونَنَا رَغَبٗا وَرَهَبٗاۖ وَكَانُواْ لَنَا خَٰشِعِينَ} (90)

قوله تعالى : { فاستجبنا له ووهبنا له يحيى } ولداً { وأصلحنا له زوجه } أي جعلناها ولوداً بعدما كانت عقيماً ، قال أكثر المفسرين ، وقال بعضهم : كانت سيئة الخلق فأصلحها له بأن رزقها حسن الخلق . { إنهم } يعني الأنبياء الذين سماهم في هذه السورة { كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً } طمعاً ، { ورهباً } خوفاً ، رغباً في رحمة الله ، ورهباً من عذاب الله ، { وكانوا لنا خاشعين } أي متواضعين ، قال قتادة : ذللاً لأمر الله . قال مجاهد : الخشوع هو الخوف اللازم في القلب .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُۥ وَوَهَبۡنَا لَهُۥ يَحۡيَىٰ وَأَصۡلَحۡنَا لَهُۥ زَوۡجَهُۥٓۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ يُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡخَيۡرَٰتِ وَيَدۡعُونَنَا رَغَبٗا وَرَهَبٗاۖ وَكَانُواْ لَنَا خَٰشِعِينَ} (90)

قال الله تعالى : { فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ } أي : امرأته .

قال ابن عباس ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير : كانت عاقرا لا تلد ، فولدت .

وقال عبد الرحمن بن مهدي{[19846]} ، عن طلحة بن عمرو ، عن عطاء : كان في لسانها طول فأصلحها الله . وفي رواية : كان في خَلْقها شيء فأصلحها الله . وهكذا قال محمد بن كعب ، والسدّي . والأظهر من السياق الأول .

وقوله : { إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ } أي : في عمل القُرُبات وفعل الطاعات ، { وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا } قال الثوري : { رَغَبًا } فيما عندنا ، { وَرَهَبًا } مما عندنا ، { وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ } قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : أي مصدقين بما أنزل الله . وقال مجاهد : مؤمنين حقا . وقال أبو العالية : خائفين . وقال أبو سِنَان : الخشوع هو الخوف اللازم للقلب ، لا يفارقه أبدًا . وعن مجاهد أيضًا { خَاشِعِينَ } أي : متواضعين . وقال الحسن ، وقتادة ، والضحاك : { خَاشِعِينَ } أي : متذللين لله عز وجل . وكل هذه الأقوال متقاربة . وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا علي بن محمد الطَّنَافِسيّ ، حدثنا محمد بن فضيل ، حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق بن{[19847]} عبد الله القرشي ، عن عبد الله بن حكيم قال : خطبنا أبو بكر ، رضي الله عنه ، ثم قال : أما بعد ، فإني أوصيكم بتقوى الله ، وتُثنُوا عليه بما هو له أهل ، وتخلطوا الرغبة بالرهبة ، وتجمعوا الإلحاف بالمسألة ، فإن الله عز وجل أثنى على زكريا وأهل بيته ، فقال : { إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ } .


[19846]:- في ت : "ابن منبه".
[19847]:- في ت ، ف : "عن".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُۥ وَوَهَبۡنَا لَهُۥ يَحۡيَىٰ وَأَصۡلَحۡنَا لَهُۥ زَوۡجَهُۥٓۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ يُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡخَيۡرَٰتِ وَيَدۡعُونَنَا رَغَبٗا وَرَهَبٗاۖ وَكَانُواْ لَنَا خَٰشِعِينَ} (90)

يقول الله جلّ ثناؤه : فاستجبنا لزكريا دعاءه ، ووهبنا له يحيى ولدا ووارثا يرثه ، وأصلحنا له زوجه .

واختلف أهل التأويل في معنى الصلاح الذي عناه الله جلّ ثناؤه بقوله : وأصْلَحْنا لَهُ زَوْجَه فقال بعضهم : كانت عقيما فأصلحها بأن جعلها وَلُودا . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن عبيد المحاربيّ ، قال : حدثنا حاتم بن إسماعيل ، عن حميد بن صخر ، عن عمار ، عن سعيد ، في قوله : وأصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ قال : كانت لا تلد .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس ، في قوله : وأصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ قال : وهبنا له ولدها .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : وأصلْحْنَا لَهُ زَوْجَهُ كانت عاقرا ، فجعلها الله وَلودا ، ووهب له منها يحيى .

وقال آخرون : كانت سيئة الخُلق ، فأصلحها الله له بأن رزقها حُسن الخُلُق .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله أصلح لزكريا زوجه ، كما أخبر تعالى ذكره بأن جعلها ولودا حسنة الخُلُق لأن كل ذلك من معاني إصلاحه إياها . ولم يخصُصِ الله جلّ ثناؤه بذلك بعضا دون بعض في كتابه ولا على لسان رسوله ، ولا وضع على خصوص ذلك دلالة ، فهو على العموم ما لم يأت ما يجب التسليم له بأن ذلك مراد به بعض دون بعض .

وقوله : إنّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ يقول الله : إن الذين سميناهم يعني زكريا وزوجه ويحيى كانوا يسارعون في الخيرات في طاعتنا ، والعمل بما يقرّبهم إلينا . ) وقوله : وَيَدْعُونَنا رَغَبا وَرَهَبا يقول تعالى ذكره : وكانوا يعبدوننا رغبا ورهَبا . وعَنَى بالدعاء في هذا الموضع : العبادة ، كما قال : وأعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ وأدْعُو رَبّي عَسى أن لا أكُونَ بدُعاءِ رَبّي شَقِيّا ويعني بقوله : رَغَبا أنهم كانوا يعبدونه رغبة منهم فيما يرجون منه من رحمته وفضله . وَرَهَبايعني رهبة منهم من عذابه وعقابه ، بتركهم عبادته وركوبهم معصيته .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج : إنّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنا رَغَبا وَرَهبَا قال : رغبا في رحمة الله ، ورهبا من عذاب الله .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَيَدْعُونَنا رَغَبا وَرَهَبا قال : خوفا وطمعا . قال : وليس ينبغي لأحدهما أن يفارق الاَخر .

واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء الأمصار : رَغَبا وَرَهبا بفتح الغين والهاء من الرغَب والرهَب . واختلف عن الأعمش في ذلك ، فرُويت عنه الموافقة في ذلك للقرّاء ، ورُوي عنه أنه قرأها : «رُغْبا » «ورُهْبا » بضم الراء في الحرفين وتسكين الغين والهاء .

والصواب من القراءة في ذلك ما عليه قرّاء الأمصار ، وذلك الفتح في الحرفين كليهما .

وقوله : وكانُوا لَنا خاشِعِينَ يقول : وكانوا لنا متواضعين متذللين ، ولا يستكبرون عن عبادتنا ودعائنا .