اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُۥ وَوَهَبۡنَا لَهُۥ يَحۡيَىٰ وَأَصۡلَحۡنَا لَهُۥ زَوۡجَهُۥٓۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ يُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡخَيۡرَٰتِ وَيَدۡعُونَنَا رَغَبٗا وَرَهَبٗاۖ وَكَانُواْ لَنَا خَٰشِعِينَ} (90)

{ فاستجبنا لَهُ } أي : فعلنا ما أراده بسؤاله ، { وَوَهَبْنَا لَهُ يحيى } ولداً صالحاً { وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ } أي : جعلناها ولوداً بعد ما كانت عقيماً{[29490]} . قاله أكثر المفسرين وقيل : كانت سيئة الخلق سلطة اللسان فأصلح الله خلقها{[29491]} . وقيل : جعلها مصلحة في الدين ، فإن صلاحها في الدين من أكبر أعوانه ، لأنه يكون إعانة في الدين والدنيا{[29492]} واعلم أنَّ قوله { وَوَهَبْنَا لَهُ{[29493]} يحيى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ } يدل على أن الواو لا تفيد الترتيب ، لأنَّ إصلاح الزوج مقدم على هبة الولد مع أنه تعالى أخره في اللفظ{[29494]} . ثم قال : «إنَّهُمْ » يعني الأنبياء الذين سماهم في هذه السورة{[29495]} .

وقيل : زكريا وولده وأهله{[29496]} { كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي الخيرات } ، والمسارعة في طاعة الله من أكبر ما يمدح المرء به ، لأنه يدل على حرص عظيم على الطاعة{[29497]} .

قوله : { وَيَدْعُونَنَا } العامة على ثبوت نون الرفع قبل ( نا ){[29498]} مفكوكة منها وقرأت فرقة { وَيَدْعُونَنَا } بحذف نون الرفع{[29499]} . وطلحة بإدغامها فيها{[29500]} .

وهذا الوجهان فيهما إجراء نون ( نا ) مجرى نون الوقاية{[29501]} . وقد تقدم . قوله : { رَغَباً وَرَهَباً } يجوز أن ينتصبا على المفعول من أجله{[29502]} ، وأن ينتصبا على أنهما مصدران واقعان موقع الحال ، أي : راغبين راهبين{[29503]} ، وأن ينتصبا على المصدر الملاقي لعامله في المعنى دون اللفظ ، لأن ذلك نوع منه{[29504]} . والعامة على فتح الغين والهاء{[29505]} . وابن وثاب والأعمش ورويت عن أبي عمرو بسكون الغين والهاء ، ونقل عن الأعمش وهو الأشهر عنه بضم أراء وما بعدها{[29506]} . وقرأت فرقة بضمة وسكون فيهما{[29507]} .

فصل

ومعنى «رَغَباً » : طمعاً «وَرَهَباً » : خوفاً ، أي : رغباً في رحمة الله ، ورهباً من عذاب الله . { وَكَانُواْ لَنَا خاشِعِينَ } أي : متواضعين ، قال قتادة : ذلك لأمر الله{[29508]} . وقال مجاهد : الخشوع هو الخوف اللازم في القلب{[29509]} .


[29490]:وهو قول قتادة وسعيد بن جبير وأكثر المفسرين. الفخر الرازي 22/217، القرطبي 11/336.
[29491]:وهو قول ابن عباس وعطاء. الفخر الرازي 22/217، القرطبي 11/336.
[29492]:انظر الفخر الرازي 22/217.
[29493]:ووهبنا له: سقط من ب.
[29494]:انظر الفخر الرازي 22/217-218.
[29495]:انظر البغوي 5/528، البحر المحيط 6/336.
[29496]:في ب: وأهله وولده. الفخرالرازي 22/218.
[29497]:انظر الفخر الرازي 22/218.
[29498]:في ب: أنها . وهو تحريف.
[29499]:انظر البحر المحيط 6/336.
[29500]:أي: بإدغام نون الرفع في "نا" ضمير النصب، البحر المحيط 6/336.
[29501]:ذلك أن نون الوقاية مع نون الإعراب لها ثلاثة أوجه: حذف إحداهما، وإدغام نون الإعراب في نون الوقاية وإثباتهما بلا ادغام. شرح الكافية 2/22.
[29502]:انظر التبيان 2/925، البحر المحيط 6/336.
[29503]:المرجعان السابقان.
[29504]:التبيان 2/925.
[29505]:المختصر (92)، البحر المحيط 6/336.
[29506]:البحر المحيط 6/336.
[29507]:المرجع السابق.
[29508]:انظر البغوي 5/528.
[29509]:المرجع السابق.