قوله تعالى : { يوم نطوي السماء } قرأ أبو جعفر : تطوى السماء بالتاء ، وضمها وفتح الواو والسماء رفع على المجهول ، وقرأ العامة بالنون وفتحها وكسر الواو ، والسماء نصب ، { كطي السجل للكتب } قرأ حمزة و الكسائي وحفص عن عاصم : للكتب على الجمع ، وقرأ الآخرون : للكتاب على الواحد ، واختلفوا في السجل ، فقال السدي : السجل ملك يكتب أعمال العباد ، واللام زائدة ، أي كطي السجل الكتب كقوله ( ردف لكم ) اللام فيه زائدة ، وقال ابن عباس ومجاهد والأكثرون : السجل الصحيفة للكتب أي لأجل ما كتب معناه : كطي الصحيفة على مكتوبها ، والسجل اسم مشتق من المساجلة وهي المكاتبة ، والطي هو الدرج الذي هو ضد النشر ، { كما بدأنا أول خلق نعيده } أي كما بدأناهم في بطون أمهاتهم حفاة عراة غرلاً كذلك نعيدهم يوم القيامة ، نظيره قوله تعالى : { ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة } وروي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إنكم محشورون حفاة عراة غرلا } ثم قرأ : { كما بدأنا أول خلق نعيده } . { وعدا علينا إنا كنا فاعلين } يعني الإعادة والبعث .
يقول تعالى : هذا كائن يوم القيامة ، { يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ } كما قال تعالى : { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } [ الزمر : 67 ] وقد قال البخاري :
حدثنا مُقَدم بن محمد ، حدثني عمي القاسم بن يحيى ، عن عُبَيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " إن الله يقبض يوم القيامة الأرضَين ، وتكون السموات بيمينه " {[19897]} .
انفرد به من هذا الوجه البخاري ، رحمه الله .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن أحمد بن الحجاج الرَّقِّي ، حدثنا محمد بن سلمة ، عن أبي الواصل{[19898]} ، عن أبي المليح الأزدي{[19899]} ، عن أبي الجوزاء الأزدي ، عن ابن عباس قال : يطوي الله{[19900]} السموات السبع بما فيها من الخليقة والأرضين السبع بما فيها من الخليقة ، يطوي ذلك كله{[19901]} بيمينه ، يكون ذلك كله في يده بمنزلة خردلة .
وقوله : { كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ } ، قيل : المراد بالسجل [ الكتاب . وقيل : المراد بالسجل ]{[19902]} هاهنا : مَلَك من الملائكة .
قال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا محمد بن العلاء ، حدثنا يحيى بن يمان ، حدثنا أبو الوفاء الأشجعي ، عن أبيه ، عن ابن عمر في قوله تعالى : { يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ } ، قال : السجل : مَلَك ، فإذا صعد بالاستغفار قال : اكتبها نورًا .
وهكذا رواه ابن جرير ، عن أبي كُرَيْب ، عن ابن يمان ، به .
قال ابن أبي حاتم : وروي عن أبي جعفر{[19903]} محمد بن علي بن الحسين أن السجل ملك .
وقال السدي في هذه الآية : السجل : مَلَك موكل بالصحف ، فإذا مات الإنسان رفع{[19904]} كتابُه إلى السجل فطواه ، ورفعه إلى يوم القيامة .
وقيل : المراد به اسم رجل صحابي ، كان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم الوحي : قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زُرْعة ، حدثنا نصر بن علي الجَهْضَميّ ، حدثنا نوح بن قيس ، عن عمرو بن مالك ، عن أبي الجوزاء ، عن ابن عباس : [ { يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ } ] {[19905]} ، قال : السجل : هو الرجل .
قال نوح : وأخبرني يزيد بن كعب - هو العَوْذي - عن عمرو بن مالك ، عن أبي الجوزاء عن ابن عباس قال : السجل كاتب{[19906]} للنبي صلى الله عليه وسلم .
وهكذا رواه أبو داود والنسائي عن قتيبة بن سعيد{[19907]} عن نوح بن قيس ، عن يزيد بن كعب ، عن عمرو بن مالك ، عن أبي الجوزاء ، عن ابن عباس ، قال : السجل كاتب{[19908]} للنبي صلى الله عليه وسلم{[19909]} .
ورواه ابن جرير عن نصر بن علي الجهضمي ، كما تقدم . ورواه ابن عدي من رواية يحيى بن عمرو بن مالك النُّكْريّ عن أبيه ، عن أبي الجوزاء ، عن ابن عباس قال : كان للنبي{[19910]} صلى الله عليه وسلم كاتب يسمى{[19911]} السجل وهو قوله : { يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ } ، قال : كما يطوى السجل الكتاب ، كذلك نطوي السماء ، ثم قال : وهو غير محفوظ{[19912]} .
وقال الخطيب البغدادي في تاريخه : أنبأنا أبو بكر البَرْقَاني ، أنبأنا محمد بن محمد بن يعقوب الحجاجي ، أنبأنا أحمد بن الحسن الكرخي ، أن حمدان بن سعيد حدثهم ، عن عبد الله بن نمير ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : السجلّ : كاتب للنبي صلى الله عليه وسلم{[19913]} .
وهذا منكر جدًا من حديث نافع عن ابن عمر ، لا يصح أصلا وكذلك ما تقدم عن ابن عباس ، من رواية أبي داود وغيره ، لا يصح أيضًا . وقد صرح جماعة من الحفاظ بوضعه - وإن كان في سنن أبي داود - منهم شيخنا الحافظ الكبير أبو الحجاج المِزِّي ، فَسَح الله في عمره ، ونَسَأ في أجله ، وختم له بصالح عمله ، وقد أفردت لهذا الحديث جزءًا على حدة{[19914]} ، ولله الحمد . وقد تصدى الإمام أبو جعفر بن جرير للإنكار على هذا الحديث ، ورده أتم رد ، وقال : لا يُعَرف في الصحابة أحد{[19915]} اسمه السجِل ، وكُتَّاب النبي صلى الله عليه وسلم معروفون ، وليس فيهم أحد اسمه السجل ، وصَدَق رحمه الله في ذلك ، وهو من أقوى الأدلة على نَكَارة هذا الحديث . وأما مَنْ ذكر في أسماء الصحابة هذا ، فإنما اعتمد على هذا الحديث ، لا على غيره ، والله أعلم . والصحيح عن ابن عباس أن السجل هي الصحيفة ، قاله علي بن أبي طلحة والعوفي ، عنه . ونص على ذلك مجاهد ، وقتادة ، وغير واحد . واختاره ابن جرير ؛ لأنه المعروف في اللغة ، فعلى هذا يكون معنى الكلام : { يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ } أي : على [ هذا ]{[19916]} الكتاب ، بمعنى المكتوب ، كقوله : { فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ } [ الصافات : 103 ] ، أي : على الجبين ، وله نظائر في اللغة ، والله أعلم .
وقوله : { كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ } يعني : هذا كائن لا محالة ، يوم يعيد الله الخلائق خلقًا جديدًا ، كما بدأهم هو القادر على إعادتهم{[19917]} ، وذلك واجب الوقوع ، لأنه من جملة وعد الله الذي لا يخلف ولا يبدل ، وهو القادر على ذلك . ولهذا قال : { إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ } .
وقال الإمام أحمد : حدثنا وَكِيع وابن جعفر المعنى{[19918]} ، قالا{[19919]} : حدثنا شعبة ، عن المغيرة بن النعمان ، عن سعيد بن جُبَيْر ، عن ابن عباس قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بموعظة فقال : " إنكم محشورون إلى الله عز وجل حفاة عراة غُرْلا كما بدأنا أول خلق نعيده ، وعدًا علينا إنا كنا فاعلين " ؛ وذكر تمام الحديث ، أخرجاه في الصحيحين من حديث شعبة . ورواه{[19920]} البخاري عند هذه الآية في كتابه{[19921]} .
وقد روى ليث بن أبي سليم ، عن مجاهد ، عن عائشة عن النبي{[19922]} صلى الله عليه وسلم ، نحو ذلك .
وقال العوفي ، عن ابن عباس في قوله : { كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ } قال : نهلك كل شيء ، كما كان أول مرة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.