{ يَوْمَ نَطْوِي السماء كَطَيّ السجل للكتب } قرأ أبو جعفر بن القعقاع وشيبة والأعرج والزهري : «تطوي » بمثناة فوقية مضمومة ورفع السماء ، وقرأ مجاهد : «يطوي » بالتحتية المفتوحة مبنياً للفاعل على معنى يطوي الله السماء ، وقرأ الباقون { نطوي } بنون العظمة وانتصاب { يوم } بقوله : { نُعِيدُهُ } أي نعيده يوم نطوي السماء ، وقيل : هو بدل من الضمير المحذوف في توعدون ، والتقدير : الذي كنتم توعدونه يوم نطوي . وقيل : بقوله : { لا يحزنهم الفزع } وقيل : بقوله : { تتلقاهم } . وقيل : متعلق بمحذوف ، وهو اذكر ، وهذا أظهر وأوضح ، والطيّ ضد النشر . وقيل : المحو ، والمراد بالسماء : الجنس ، والسجل : الصحيفة ، أي طياً كطيّ الطومار . وقيل : السجل : الصك ، وهو مشتق من المساجلة وهي المكاتبة ، وأصلها من السجل ، وهو الدلو ، يقال : ساجلت الرجل : إذا نزعت دلواً ونزع دلواً ، ثم استعيرت للمكاتبة والمراجعة في الكلام ، ومنه قول الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب :
من يساجلني يساجل ماجداً *** يملأ الدلو إلى عقد الكرب
وقرأ أبو زرعة بن عمرو بن جرير : «السجل » بضم السين والجيم وتشديد اللام ، وقرأ الأعمش وطلحة بفتح السين وإسكان الجيم وتخفيف اللام ، والطيّ في هذه الآية يحتمل معنيين أحدهما : الطيّ الذي هو ضدّ النشر ، ومنه قوله :
{ والسماوات مطويات بِيَمِينِهِ } [ الزمر : 67 ] . والثاني : الإخفاء والتعمية والمحو ، لأن الله سبحانه يمحو ويطمس رسومها ويكدّر نجومها . وقيل : السجل اسم ملك ، وهو الذي يطوي كتب بني آدم . وقيل : هو اسم كاتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، والأوّل أولى . قرأ الأعمش وحفص وحمزة والكسائي ويحيى وخلف : { للكتب } جمعاً ، وقرأ الباقون : { للكتاب } وهو متعلق بمحذوف حال من السجل ، أي كطيّ السجل كائناً للكتب أو صفة له أي الكائن للكتب ، فإن الكتب عبارة عن الصحائف وما كتب فيها ، فسجلها بعض أجزائها ، وبه يتعلق الطيّ حقيقة . وأما على القراءة الثانية فالكتاب مصدر ، واللام للتعليل ، أي كما يطوي الطومار للكتابة ، أي ليكتب فيه ، أو لما يكتب فيه من المعاني الكثيرة ، وهذا على تقدير أن المراد بالطيّ المعنى الأوّل ، وهو ضدّ النشر { كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ } أي كما بدأناهم في بطون أمهاتهم وأخرجناهم إلى الأرض حفاة عراة غرلاً كذلك نعيدهم يوم القيامة ، فأوّل خلق مفعول نعيد مقدّراً يفسره نعيده المذكور ، أو مفعول ل " بدأنا " ، وما كافة أو موصولة ، والكاف متعلقة بمحذوف ، أي نعيد مثل الذي بدأناه نعيده ، وعلى هذا الوجه يكون أوّل ظرف لبدأنا ، أو حال ، وإنما خص أوّل الخلق بالذكر تصويراً للإيجاد عن العدم ، والمقصود بيان صحة الإعادة بالقياس على المبدأ للشمول الإمكان الذاتي لهما ، وقيل معنى الآية : نهلك كلّ نفس كما كان أوّل مرّة ، وعلى هذا فالكلام متصل بقوله : { يَوْمَ نَطْوِي السماء } . وقيل : المعنى نغير السماء ، ثم نعيدها مرّة أخرى بعد طيها وزوالها ، والأوّل أولى ، وهو مثل قوله : { وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فرادى كَمَا خلقناكم أَوَّلَ مَرَّةٍ } [ الأنعام : 94 ] . ثم قال سبحانه : { وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فاعلين } انتصاب { وعداً } على أنه مصدر أي وعدنا وعداً علينا إنجازه والوفاء به . وهو البعث والإعادة ، ثم أكد سبحانه ذلك بقوله : { إِنَّا كُنَّا فاعلين } . قال الزجاج : معنى { إنا كنا فاعلين } : إنا كنا قادرين على ما نشاء . وقيل : إنا كنا فاعلين ما وعدناكم ، ومثله قوله : { [ وكَانَ ] وَعْدُهُ مَفْعُولاً } [ المزمل : 18 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.