بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{يَوۡمَ نَطۡوِي ٱلسَّمَآءَ كَطَيِّ ٱلسِّجِلِّ لِلۡكُتُبِۚ كَمَا بَدَأۡنَآ أَوَّلَ خَلۡقٖ نُّعِيدُهُۥۚ وَعۡدًا عَلَيۡنَآۚ إِنَّا كُنَّا فَٰعِلِينَ} (104)

قوله عز وجل : { يَوْمَ نَطْوِى السماء } ، يعني : واذكر يوم نطوي السماء ، { كَطَىّ السجل لِلْكُتُبِ } . قال السدي : السجل ملك موكل بالصحف ؛ فإذا مات الإنسان ، دفع كتابه إلى السجل فطواه ؛ ويقال : السجل الصحيفة ، ويقال : السجل الكاتب .

وروى أبو الجوزاء ، عن ابن عباس قال : السجل كان كاتب النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره الله تعالى أنه يطوي السماء يوم القيامة ، كما يطوي السجل الكتاب . قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص { لِلْكُتُبِ } بلفظ الجماعة ؛ وقرأ الباقون : { للكتاب } بلفظ الواحد ، وقرأ أبو حفص المدني { تطوى السماء } بالتاء والضم على فعل ما لم يسم فاعله ؛ وقراءة العامة { نَطْوِى السماء } بالنون ؛ وقرأ بعضهم : السجل بجزم الجيم والتخفيف ، وقراءة العامة بالتشديد وبكسر الجيم .

ثم استأنف الكلام فقال تعالى : { كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ } ، يعني : خلقهم في الدنيا يعيدهم في الآخرة ؛ ويقال : كما بدأناهم شقياً وسعيداً في الدنيا . فكذلك يكونون في الآخرة ؛ ويقال : كما بدأنا أول خلق من نطفة في الدنيا ، نعيده وأن تمطر السماء أربعين يوماً كمني الرجال فينبتون فيه . { وَعْداً عَلَيْنَا } ، يعني : وعدنا البعث صدقاً وحقاً لا خلاف فيه ، كقوله { تَنزِيلُ الكتاب لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ العالمين } [ السجدة : 2 ] { وَعْداً } صار نصباً للمصدر . { إِنَّا كُنَّا فاعلين } بهم ، أي باعثين بعد الموت . وروي عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال « إنَّكُمْ تُحْشَرُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ عُرَاةً حفاة غُرْلاً بُهْماً ، ثمَّ قال : { كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ } » .