ولما كانت هذه الأفعال على غاية من{[51866]} الأهوال ، تتشوف بها النفس إلى معرفة اليوم الذي تكون فيه ، قال{[51867]} تعالى شافياً لعيّ هذا السؤال ، زيادة في تهويل ذلك اليوم لمن له وعي : { يوم } أي تكون هذه الأشياء يوم { نطوي } {[51868]} أي بما لنا من العظمة الباهرة{[51869]} { السماء } طياً فتكون كأنها لم تكن ؛ ثم صور طيّها بما يعرفون فقال مشبهاً للمصدر{[51870]} الذي دل عليه الفعل : { كطيّ السجل } أي الكتاب {[51871]} الذي له العلو والقدرة على مكتوبه{[51872]} { للكتب } أي القرطاس الذي يكتبه ويرسله إلى أحد ، وإنما قلت ذلك لأن السجل يطلق على الكتاب وعلى الكاتب - قاله في القاموس ، واختير للفاعل لفظ السجل لما مضى في سورة هود من أن هذه المادة تدور على العلو ، وللمطوي لفظ الكتاب الدال على الجمع ، لكونه لازماً للطي ، مع أن ذلك أنسب لما جعل كل منهما مثالاً له ، وقراءة المفرد لمقابلة لفظ السماء ، والجمع للدلالة على أن المراد الجنس ، فجميع السماوات تطوى ؛ قال ابن كثير{[51873]} : قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ثنا محمد بن أحمد بن الحجاج الرقي حدثنا محمد بن سلمة عن أبي الواصل عن أبي المليح عن الأزدي عن أبي الجوزاء الأزدي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : يطوي الله السماوات السبع بما فيها من الخليفة ، والأرضين السبع بما فيها من الخليفة ، يطوي ذلك كله بيمينه حتى يكون ذلك{[51874]} بمنزلة خردلة .
ولما كان هذا عند من لا يعلم أعظم استبعاداً من استبعادهم إعادة الموتى ، قال{[51875]} {[51876]} دالاًّ عليه{[51877]} مقرباً له إلى العقول بتشبيه الإعادة بالإبداء ، في تناول القدرة لهما على السواء ، فإنه كما أخرجه بعلم من خزائن قدرته كذلك يرده بعلمه في خزائن قدرته ، كما يصنع في نور السراج ونحوه إذا أطفىء ، فكذا في غيره من جميع الأشياء{[51878]} { كما } أي مثل ما { بدأنا } {[51879]} أي بما عُلم لنا من العظمة{[51880]} { أول خلق } {[51881]} أي تقدير أيّ تقدير كان ، {[51882]} نكره ليفيد التفصيل واحداً واحداً ، بمعنى أن كل خلق جل أو قل سواء في هذا الحكم ، وهو أنا{[51883]} { نعيده } {[51884]} أي بتلك العظمة بعينها{[51885]} ، {[51886]} غير ناسين له ولا غافلين ولا عاجزين عنه{[51887]} ، فما كان متضامّ الأجزاء فمددناه نضمه بعد امتداده ، وما كان ميتاً فأحييناه نميته بعد حياته ، وما كان حياً فأمتناه نحييه بعد موته ، ونعيد منهم من التراب من بدأناه{[51888]} منه ، والحاصل أن من أوجد شيئاً لا يبعد عليه التصرف فيه كيفما كان ؛ روى البخاري في التفسير{[51889]} عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : خطب النبي صلى الله عليه وسلم فقال{[51890]} :
" إنكم محشورون إلى الله عراة غرلاً { كما بدأنا أول خلق نعيده } - الآية ، أول من يكسى {[51891]} يوم القيامة{[51892]} إبراهيم عليه السلام ، ألا إنه يجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول : يارب ! أصحابي ! فيقال : لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فأقول كما قال العبد الصالح { كنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم - إلى قوله - شهيد } فيقال{[51893]} : إن هؤلاء لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم " ثم أعلم أن ذلك أمر لابد منه بالتعبير بالمصدر {[51894]}تأكيداً لما أنكروه وبالغوا في إنكاره{[51895]} فقال : { وعداً } وأكد بقوله : { علينا } وزاده{[51896]} بقوله : { إنا كنا } {[51897]}أي أزلاً وأبداً ، على حالة لا تحول{[51898]} { فاعلين } أي شأننا أن نفعل ما نريد ، لا كلفة علينا في شيء من ذلك بوجه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.